اجتاز الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بنجاح نسبي امس، امتحان أداء القسم لولاية رابعة، وألقى خطاباً قصيراً لم تتجاوز مدته الدقيقتين، ما أثبت للجزائريين قدراته العقلية، وإن لم يطمئنهم بالكامل إلى سلامة وضعه الصحي. وكرر بوتفليقة (77 عاما) عبارات القسم وراء رئيس المحكمة العليا سليمان بودي، بصوت خافت لا يكاد يُسمع، واضعاً يده اليمنى على القرآن الكريم. وأعلن بودي على الأثر: «أعطي إشهاداً لعبد العزيز بوتفليقة بتأدية اليمين» واستلامه منصب رئيس الجمهورية. وحضر الرئيس الجزائري إلى مكان القسم في «قصر الأمم» غرب العاصمة، على كرسي متحرك، وأدت له ثلة من الحرس الجمهوري التحية، ثم بدأت المراسم بحضور أعضاء البرلمان (بغرفتيه) والوزراء وقادة الجيش والشرطة، إضافة إلى السفراء الأجانب المعتمدين في البلاد. واعتبر بوتفليقة أن الانتخابات الرئاسية في 17 نيسان (أبريل) الجاري، كانت «عرساً للديموقراطية وخدمة لاستقرار البلاد». وأبدى تقديره لمشاركة مرشحين آخرين في هذه الانتخابات، التي «عاد فيها الانتصار الأكبر والحقيقي إلى الدولة الجزائرية». وحضر المراسم اثنان من المرشحين الخاسرين أمام بوتفليقة، وهما: عبد العزيز بلعيد ولويزة حنون، وغاب كل من موسى تواتي وفوزي رباعين وعلي بن فليس، الذي اعتبر أن الرئيس الجزائري هو من قرر نتائج الانتخابات، وأن المجلس الدستوري «زكّى التزوير». وتَمْثُل أمام بوتفليقة الذي فاز ب81.49 في المئة من الأصوات، تحديات هائلة، أهمها إثبات قدرته على إدارة البلاد في ظل تجاذبات سياسية متزايدة، وتنفيذ وعده بإجراء تعديلات دستورية، إلى جانب الحرب على الإرهاب وتنفيذ إصلاحات اقتصادية لتهدئة حركات مطلبية عدة. واستهل بوتفلية ولايته الرابعة بتسمية رئيس الحكومة السابق عبدالمالك سلال لرئاسة الحكومة المقبل، يتوقع ان ترى النور في نهاية الأسبوع الحالي، وتتمثل فيها الغالبية الحاكمة، مع تطعيمها بشخصيات محسوبة على المعارضة «البراغماتية»، وذلك للالتفاف على حملة معارضة شرسة يعدها المرشح الخاسر بن فليس. ولم يتمكن بوتفليقة الذي أصيب بجلطة دماغية من قراءة خطابه كاملاً، بل وزع نصه المطبوع على الحاضرين. وكان أهم ما ورد فيه تأكيد ثقته بالجيش، مشيراً إلى أن «أولوية» عمله خلال السنوات الخمس المقبلة، ستكون «المحافظة على استقرار البلاد ودعم المصالحة الوطنية التي اعتنقها الشعب وتبناها». كما ورد في الخطاب أن «يد الجزائر مازالت ممدودة إلى أبنائها الضالين»، الذين دعاهم إلى «العودة إلى الديار»، مشيراً إلى أن القانون «سيضرب بيد من حديد كل اعتداء إرهابي يستهدف أمن المواطنين والممتلكات». وسمح قانون المصالحة الوطنية الصادر في 2005، والذي يعده أنصار بوتفليقة، من أهم إنجازاته، بوضع حد لحرب أهلية أسفرت عن مقتل 200 ألف قتيل بين الإسلاميين المسلحين وقوات الجيش والشرطة. وأشار الخطاب إلى أن «الشعب الجزائري يمكنه أن يعول على الجيش وقوى الأمن لحماية البلاد من أي محاولة تخريبية أو إجرامية أياً يكن مصدرها»، داعياً الجزائريين إلى أن يضعوا «مصلحة الوطن فوق أي خلاف أو اختلاف سياسي، ولو كان ذلك من الأمور المباحة في الديموقراطية». كما أكد بوتفليقة في خطابه على إعادة إطلاق ورشة الإصلاحات السياسية التي ستفضي إلى مراجعة الدستور «مراجعة توافقية تشارك فيها القوى السياسية وأبرز منظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية». ويعتقد أن ابرز ما ستتضمنه مراجعة الدستور، «تعزيز الفصل بين السلطات وتدعيم استقلالية القضاء ودور البرلمان وتأكيد مكانة المعارضة ودورها، وضمان المزيد من الحقوق والحريات للمواطنين».