في المشهد الدرامي العربي الراهن، موجة من مسلسلات تفارق البيئة وتتجنبها فتختار فضاءات مكانية كثيرة لشخصيات من بلدان عربية متعددة تتركها تتحدث بلهجاتها المحلية. يبدو مناخ هذه المسلسلات «خارج التغطية» إذا جازت العبارة. نتحدث هنا عن حوادث درامية تدور غالباً حول موضوع واحد هو الحب كقيمة إنسانية تجمع البشر في العالم كله، ولهذا السبب يراها صنّاع تلك الدراما كافية لتحقيق أعمال تتجاوز الموضوعات بما تتناوله عادة من شؤون الحياة وشجونها الواقعية. ويأتي الحب في دراما كهذه من خارج شروطه الاجتماعية، بل حتى من خارج شروطه الإنسانية متكئاً غالباً على «شعبوية» ممثليه النجوم ومنابتهم الجغرافية المختلفة. هذه الموجة من الدراما تمسك بارتباك بموضوعاتها وقصصها، فتقع مفردات العملية الفنية في الارتباك أيضاً لتأتي النتيجة مثقلة بارتباك المشاهد وهو يلاحق جزئيات وتفاصيل تقارب السياحية مرة لتنفر عنها الى مناخات أخرى بعيدة، تعيد الى أذهاننا أعمالاً غنائية أطلقها أصحابها في ستينات القرن الماضي، وقالوا يومها أنها نوع من أغاني «فرانكو آراب» باعتمادها على خليط متنافر من الجمل العربية والإنكليزية حيناً، والعربية والفرنسية حيناً آخر. ولم تستطع في الحقيقة أن تمتلك هوية تُقارب تلك اللغات وغناءها. نعرف أن شرطاً مهماً من شروط صدقية الدراما يكمن في تقديم المكان بشواهده العمرانية وشوارعه الحقيقية، لكنّ هذه الصدقية نراها في دراما «البيئات المختلطة»، فتتحول الى فانتازيا غير تاريخية – وحتى غير جغرافية – وهي صفة لا تتجسد في تشوه المفاهيم والأفكار وحسب، بل تنسحب على الشكل الفني الذي يبدو في حالة لهاث غير مفهوم وغير مبرر، يحاول طوال الوقت استدراج المشاهد لمتابعة «وقائع» مصورة مفترضة وهجينة تغرق في السذاجة. وقد يهتم بتحقيق هذا النوع من الأعمال فنانون محترفون ينساقون وراء وهم انتشار لا يشبه شيئاً قدر شبهه بالدرامات المعلبة، المستوردة عبر الدوبلاج في محاكاة كاريكاتورية غارقة في هجينيتها. وما يثير الاستغراب أكثر أن كل شخصية تتحدث مع الشخصيات الأخرى بلهجتها، والآخر يفهمها من دون عناء، على الرغم من أن بعض اللهجات صعبة لمن لم يعتدها ولم يتعامل بها طويلاً. المسألة هنا افتراضية في أذهان صناع تلك الدراما وهي تفترض وجود غير الموجود وتتعامل معه باعتباره واقعاً حقيقياً يعيشه المشاهدون العرب في المشرق والمغرب. «التوابل» الدائمة هنا هي حضور ممثلات جميلات في الأدوار الرئيسة وهو حضور سياسي لا علاقة ولا أدوار درامية له، ناهيك بأن حكايات العشق ذاتها تجيء في ملامح عابرة وليست أصيلة ولا عميقة تشبه حالات العشق الفايسبوكي لا أكثر. حضور النجمات الجميلات في هذه الحالة يراد له أن يكون عامل جذب لاستقطاب مشاهدات من مشاهدي البلدان العربية «الحاضرة» بنجماتها في العمل وهي أيضاً فكرة وهمية تهرب من الجدارة الدرامية الى ما هو خارجها وعلى هامشها.