أتساءل أحياناً كثيرة عن الهوية الفنية التي يمكن أن نميّزها في العالم التشكيلي العربي. سهل جداً أن تميز ما يحدث من تداول بصري في العالم أجمع، أو حتى أي هوية ممكن أن تأخذ شكلاً كبيراً وقوياً في دور العرض، والمزادات التي تنمّي لهفة الاقتناء، عن شكل الفن الذي ممكن أن يقتنى في أوساطنا العربية، أو يخلد كعلامة فارقة لعام ما مثل لوحة «صبرا وشتيلا» للتشكيلي العراقي ضياء عزاوي، التي تم اقتنائها من متحف التايت اللندني، هي إن شئنا أن نشير إليها كأحد العلامات الفارقة في التشكيلي العربي بشكل عام. التساؤل الأكبر يكمن في الجماهير المهتمة بالفن. نستطيع ربما أن نجزم بوجود حركة تشكيلية في عالمنا العربي، تحديداً السعودية، لكن هل يوجد حشد مهتم أبعد من دائرة الفنانين أنفسهم؟ على سبيل المثال في أسبوع جدة للفن هذا العام كان الازدحام ونوع الفن الذي اقتحم المكان، هو حتماً حالاً مبشرة بالخير، ومع ذلك ففكرة احتمالية كونها شيء موقت واردة بطريقة ما. أي أن يكون اهتمام موقت مثل أي شيء آخر، يأخذ شكل «الموضة» ويخفت صيته وحشد المهتمين به بمجرد ظهور تقليعة جديدة، أو بمجرد أن اكتشفوا مكنون هذا الشيء، وما يمكن أن يقدمه وماهية حدوده. غير أن الفن التشكيلي بالغالب لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يقدم لنا في جميع حالاته. لكن لا يمكننا التقليل من أهمية ما يقدمه الفنانون السعوديون حالياً، كتجارب بدأت في ترسيخ ذاتها. أصبحنا نشهد وجوداً في دور المزاد العالمية، مثل كريستيز وسوذبيز لفنانين سعوديين. بكل تأكيد هذا يعني ثورة تشكيلية واعدة. لكن هل المجتمع متجاوب معها لإيمانه في الفن كتعبير بصري بحد ذاته؟ مثل الشعر. في نهاية عام 2013 كان أيضاً حدث مهم أخذ شكلاً في زيارة مركز بمبيدو لمدينة الظهران في السعودية. عقدنا حلقة نقاش للتحديق أكثر في هذه التجربة، وكون الشأن الأول فيها هو التوجه للمجتمع، وتعريفه على ماهية الفن المعاصر، وعن وجوده الحقيقي في العالم، وكيف يمكنه أن يمثل قيمة فكرية حقيقية. كان السؤال الذي تركنا محتارين هو: لو لم يوجد ذلك المعرض ضمن فعالية من هذا النوع التعليمي العلمي الثقافي، كما قدمه برنامج «ثراء المعرفة» من مركز الملك عبدالعزيز، لو كان فقط مركز بمبيدو هو الموجود كفعالية، هل سيكون عدد الزيارات كما وصلنا إليه في تلك الفترة؟ هل سيتناوله المجتمع بتلك الجدية لأنه لم يوضع بجانب معرض اختراعات مهمة غيرت العالم وغيره من الفعاليات التي ربما يأخذها المجتمع على محمل الجد أكثر؟ الفن التشكيلي بكل تأكيد يغير العالم، إن لم يكن بشكل مادي محسوس هو حتماً في مسار فكرك ونظرتك نحو الأشياء من حولك. كمثال، يُعد فان جوخ هو أول من أوحى و أعطى البكسل في الصور ذلك الشكل الواضح بضربات فرشاته المتساوية، كي تشكل المنظر للعين وتتركه أكثر بروزاً. الفن التشكيلي يجعل لشخصك ذلك البعد الثالث في فهمك لما حولك، ويغير بداخلك نحو تقديرك للجمال. إذ لم يكن يوماً للجمال مفهوم متكامل يشار إليه، لكن بالتأكيد هو قيمة ربما تشكل حالاً تعتريك وتشغل فكرك، وتغير شيء ما في يومك إن لم يكن شخصك. * كاتبة وتشكيلية سعودية.