نجحت المغنية السورية من أصل أرميني لينا شاماميان التي ستحيي حفلة الأحد المقبل في قصر اليونيسكو في بيروت، في حجز مقعد خاص ومتميّز على خريطة الموسيقى التراثية العربية المعصرنة أو ما يُسمى بموسيقى الشعوب. فهذا المجال هو من أصعب المجالات وأخطرها في الموسيقى، نظراً الى مرونته ونظراً الى جهلنا بتراثنا الموسيقي العربي. فقد عمد كثيرون من الفنانين الى سرقة أغانٍ وألحان من الفولكلور النوبي والسوداني والمصري والشامي والمغاربي، ونسبها لأنفسهم. أو على الأقل الى تحريفها ومن ثم نسبها إليهم. وهناك مَن استسهل كلمة تحديث أو عصرنة، ولجأ الى دمج الأغاني التراثية بالموسيقى البرازيلية أو الجاز أو التانغو من دون الحفاظ على روح الأغاني الأصلية... وبين هذه المحاولات أو تلك، يقع المستمع العربي الذي يفتقد الكتب والمجلات والدراسات العلمية المختصّة بالموسيقى عموماً وبالتراث الموسيقي خصوصاً، ضحية أشباه الموسيقيين والمؤلّفين الذين يدّعون لواء «الحفاظ على التراث وتحديثه». من هنا نصف تجربة لينا شاماميان بالمميزة كونها وجدت بعد دراسة أكاديمية للموسيقى والغناء الشرقي في المعهد العالي للموسيقى في دمشق، صيغة مغايرة لإحياء التراث. فهي تزاوج بين التراث العربي بوجهيه الشعبي والكلاسيكي والغربي (جاز وسالسا) في أغانيها، من دون تكلّف ومن دون تشويه. كما تعتمد في أغانيها التي تكتبها وتلحنها أو التي تستعيدها من التراث، البساطة. وهذه البساطة متأتية من روح التراث، ومن روح هذه الفنانة الشابة المتواضعة اللاهثة نحو التعلّم والمعرفة كل يوم. فما قدّمته شاماميان في ألبوماتها الثلاث «هالأسمر اللون» و «شامات» و «المجموعة»، على بساطته وعمقه وحرفيته، يشبهها بهدوئها وبعفويتها وثقافتها. حين تغني لينا شاماميان تشعر بأن صوتها البديع يلفّ في طياته حزن مأساة الأرمينيين ورومانسية ياسمين الشام. صوت واضح ويزيده تميّزاً أداؤها الاحترافي المتمكّن من تقنيات التعبير الغنائي وقواعده. وفي حديث ل «الحياة» رفضت شاماميان وصف ما تؤديه بالغناء الطربي، مفيدة أن التقنيات التي تعتمدها تدخل ضمن الموسيقى الشرقية الممزوجة بين الكلاسيك والجاز والأرميني. درست لينا الاقتصاد ثم احترفت الغناء، لماذا؟ تلمع عيناها وتجيب: «المجالات كانت ضيقة أمامي وأهلي يعتبرون أن دراسة الفن وحدها لا تؤمن لي شهادة حقيقية. لذا، وافقت على دراسة الاقتصاد وجاريتهم مشترطة أن أدرس بالتوازي معها الغناء أكاديمياً. فكان الاتفاق جيداً للطرفين كي لا أتوه في متاهات الفنون... لكن لو لم أغنِّ كنت سأموت. فالغناء أكثر شيء في الدنيا أحب أن أفعله قبل أن أموت». وحول سيرها في هذه الموجة المختلفة عن السائد وعن جيلها، تقول: «الموسيقى انعكاس للشخصية. والأنواع الموسيقية التي أشتغل عليها هي التي كانت تجذبني منذ صغري، فأكملت طريقي نحوها خصوصاً أنني أكره الأصوات الإلكترونية غير الحقيقية. وأولاً وأخيراً أنا إنسانة شرقية وما أقدّمه يعكس شخصيتي». وتضيف: «لكنني أتّجه في أعمالي الجديدة نحو موسيقى الشعوب التي تدمج ما بين الطابع الموسيقي التراثي والمعاصر، ونحو الجاز الشرقي». وعن بيروت حيث طال انتظار شاماميان من قبل جمهور شاب واسع يحفظ أغنياتها على رغم خصوصيتها وعمقها، تقول: «هي المرّة الأولى التي سأحيي فيها حفلة في هذه المدينة المفعمة بالحياة والمدلّلة، وأشعر بأنني أطير من الفرح... ذلك أن الظروف الأمنية والسياسية وحتى الإنتاجية حالت دون ذلك في السنوات السابقة. وهو حدث انتظرته بفارغ الصبر وأريد له أن يكون مميزاً، لذا انتظرت حتى تسنى لي التحضير لحفلة في مسرح عريق كمسرح قصر الأونيسكو ومع شركة إنتاج تفهم ما أريد وتحترم ما نؤديه كشركة «سيمبل» التي تديرها هيفاء الفقيه». وتؤكد شاماميان التي درست إدارة الأعمال بالتوازي مع الموسيقى، أنها ستُغني في الحفلة من قديمها ومن ألبوم «رسائل» الذي سيصدر أوائل عام 2011 ويتضمن أغاني من تلحينها وكلماتها إضافة الى أغانٍ تراثية قديمة، وأخرى كتبها الشاعر هاني نديم. كما لا بدّ أن نذكّر بأن تعاون شاماميان مع الموسيقي السوري باسل رجوب أعطاها زخماً وحافزاً الى الأمام، نظراً لما يتمتّع به هذا الموسيقي المتأثر بتجربة زياد الرحباني وعزف في فرقته أيضاً، من موهبة وقدرة على التجديد. وهذا التعاون سيتكرّر في ألبوم «رسائل» أيضاً، إضافة الى تعاون شاماميان مع الموزّع عمر حرب. أما العنوان فهو اسم إحدى الأغاني التي استوحت شاماميان كلماتها من رسالة وصلت اليها بعد سنتين من تاريخ إرسالها، من مُعتقل فلسطيني في السجون الإسرائيلية عبر الأممالمتحدة، كتب فيها أن أغانيها تحرّره من الأسر. ويتضمن «رسائل» مجموعة تهليلات جُمعت شفوياً من أمهات فلسطينيات في المخيمات السورية، وولّفت في أغنية واحدة تؤديها شاماميان من دون موسيقى.