عُرف عن أهالي مكة حسن استثمارهم للمواسم، والتخطيط لاغتنامها بوعي، وتوظيفها إستراتيجياً لتحقيق المصالح العامة والخاصة، من دون إخلال بواجب خدمة الحجيج أو إقلال من حقوق النفس وحظوظها ضمن سياق يجمع لهم ثواب الدارين ويوائم بين المنفعتين وفق توجيه رباني كريم أباح للمسلم أن يطلب المثوبة للأخرى والأولى (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا). ويلحظ المتابع ل «برنامج» سكان العاصمة المقدسة خلال أيام موسم الحج، تمسك البعض منهم بأداء الشعائر مع حملات الحج، بينما يحرص آخرون على عدم تفويت فرصة الإهلال بالركن الخامس من أركان الإسلام وإن كان خارج الأوقات المتعارف عليها عند قاصدي البيت الحرام. وبما أن وهج شمس يوم عرفة لا يحتمل، والازدحام طيلة النهار على أشده فإن المكيين يؤخرون الدخول في النسك إلى عصر يوم وقفة عرفة، ليمتطوا بعدها وسائل النقل الخاصة ويتحركوا عابرين طرقاً وشعاباً لا يعرفها سواهم باعتبار أن «أهل مكة أدرى بشعابها» ليصلوا إليها قبل الغروب محققين شرط بعض الفقهاء الجمع في الوقوف بعرفة بين جزء من النهار وآخر من الليل. و لا يتبرم بعض أهالي العاصمة المقدسة من أداء الشق الأكبر من أركان الحج في ليلة واحدة بدءاًً من الوقوف بعرفة والاتجاه لمزدلفة ثم رمي جمرة العقبة والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، ليتسنى لهم بعدها السفر إلى جدة أو المناطق القريبة من أم القرى ليعود البعض بعد منتصف كل ليلة من ليالي التشريق ليبيت جزءاًً من الليل ويرمي الجمار وينصرف. من جانبه، وصف الإعلامي والكاتب خالد بن محمد الحسيني آلية الحج المكية بالاستثنائية كونها آلية خاصة بكبار السن ممن أدوا الفريضة من قبل، إضافة إلى بعض العاملين على خدمة الحجيج ممن يغتنمون الفرص للفوز بأجر تكفير الذنوب، واصفاً المجتمع المكي بالشريك الفاعل في كل مهمات وأعمال الحج من دون اقتصار حضورهم على العمل بالطوافة فقط، مشيراً إلى أن الفقهاء عبر العصور عاملوا المكيين بفقه خاص لا يلزمهم من خلاله ما لزم غيرهم، مؤكداً أن الحجازيين يمتثلون في كل عام منطوق قوله تعالى: «ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات»، كون موسم الحج لا يقتصر على الأمور التعبدية والنواحي الإيمانية فحسب، بل منافع متبادلة بين أهل وتجار مكة وحجاج بيت الله الحرام.