لم يؤثر عليها تقادم الدهر إطلاقاً، إذ ما زال أصلها ثابتاً في مشعر منى وفرعها إلى السماء، حيث تقف شامخة لتشهد في كل عام حلقة جديدة من مسلسل حج المسلمين. وعلى رغم أنها تعتبر «الشاهد الوحيد» على حكايات الحج، وطقوسه، إلا أنها ما زالت صامتة لم ترو أياً منها، ويبدو أنها سترحل أو تُرحّل إلى غير رجعة، لتذهب معها كل تلك التفاصيل والمشاهد والأسرار التي لا يعرفها سواها!. وبعد أن أسهم دوران عجلة المشاريع التنموية في المشاعر المقدسة في دك جبال مشعر عرفات، ما منح جموع حجاج بيت الله الحرام فسحة واسعة تكفي لإيواء نحو 900 ألف حاج، يظهر أن الدور سينتقل إلى «الجبال المحرّمة» في مشعر منى. وفيما اعتادت فلول مخالفي أنظمة الإقامة والعمل على اللوذ إلى «الجبال المحرّمة» هرباً من ملاحقة عناصر المديرية العامة للجوازات، دأبت أعداد كبرى من جموع حجاج بيت الله الحرام على تسلق سفوحها بحثاً عن صخرة ينصبون عليها خيمهم البلاستيكية أو مغارة يفترشونها بعد أن قرروا ضرب قرارات منع الافتراش واقتصار الحج على أصحاب التصاريح الرسمية بعرض الحائط، حيث يتحصنون داخلها لتكفيهم ملاحقة الجهات ذات العلاقة بمخالفاتهم. ويمكن التكهن بدفع «الجبال المحرّمة» ضريبة خفض الطاقة الاستيعابية في مشعر منى على رغم اتساع مساحته، خصوصاً في ظل سعي رسمي عالي المستوى إلى توفير المساحات الكافية والخدمات المتكاملة في المشاعر المقدسة لقوافل حجاج البيت العتيق. وبعد تسجيل مشكلات عدة على البنايات الست المبنية على سفح أحد الجبال المتاخمة لمنشأة الجمرات، يسعى معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج إلى بناء معايير تصميمية للبناء على سفوح الجبال المحرّمة في مشعر منى، بعد استبعاد نظرية إنشاء خيام ذات طوابق عدة، أو تشييد أبراج شاهقة. وفي مشعر منى، حيث تقف بخيلاء الجبال المحرمة لتفصل بين «الشعبين» و«مجرّ الكبش» تعكف لجان متخصصة في وزارة الشؤون البلدية والقروية درس مقترح قديم متجدد لبناء سفوح الجبال، بغية زيادة الطاقة الاستيعابية في المشعر الحرام. وكشف مساعد المدير العام للمشاعر في أمانة العاصمة المقدسة المهندس عدنان عثمان حكيم ل«الحياة» تأكيد الدراسة بأن مساحة الجبال وحدها كفيلة بزيادة الطاقة الاستيعابية ل«منى» بنحو 1.2 مليون حاج في حال اكتمال المشروع. وقال: «يكون ذلك بشرط واحد غاية في الأهمية، يقضي بأن تفصل خدماتها كافة عن منظومة الخدمات المقدمة لجموع الحجيج في مشعر منى، بحيث يكون لها طرقها وشبكات مياهها وكهرباؤها و«ميترو» خاصة بها وحدها، ومنفصلة تماماً عن المشعر الحرام، وكأنها مدينة مصغرة منفصلة أنشئت على هذه الجهة». وما بين الدراسات والأحلام، تبقى «الجبال المحرّمة» شاهقة شامخة تؤوي جموع حجاج بيت الله الحرام، وتجير المستجير بها. وترقب من فوق حركة جموع الحجيج وسكنتهم. ولا تعلم أستظل على حالها في موسم الحج المقبل، أم أن دوران عجلة المشاريع سيدكها عن بكرة أبيها، ويشيد مكانها مدينة المليون حاج، أو ربما تستحيل هشيماً تذروه الرياح!.