ضمن مسلسل الابتزاز الإسرائيلي لباراك اوباما وادارته، يأتي الحديث عن العرض الأميركي الذي تدرسه حكومة نتانياهو للعودة الى التفاوض مع الفلسطينيين، والذي تمت صياغته بين نتانياهو وهيلاري كلينتون، بينما كان الرئيس الاميركي في جولته الآسيوية. هكذا اتت الزيارة الأخيرة لرئيس حكومة اسرائيل الى الولاياتالمتحدة بثمار لم يسبق أن حصدها اي مسؤول اسرائيلي من قبل من اي ادارة اميركية. ومقابل ماذا؟ مقابل الحصول على وعد اسرائيلي بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية (ما عدا القدس) لمدة تسعين يوماً، على ان يقتصر هذا التجميد على المستوطنات التي عاودت اسرائيل بناءها بعد انتهاء فترة التجميد السابقة (بعد 26 ايلول/سبتمبر الماضي)، والا تتم مطالبة الاسرائيليين بأي تمديد آخر بعد انتهاء الفترة الجديدة. اما الثمار التي حصل عليها نتانياهو مقابل «درس» هذا العرض ومحاولة الحصول على موافقة حكومته عليه، فهي: 1- الحصول مجاناً على عشرين طائرة مقاتلة متطورة من طراز «اف 35» (ثمنها 3 بلايين دولار)، اضافة الى عشرين طائرة اخرى سبق لاسرائيل ان طلبتها، وهذه هي المرة الاولى في تاريخ علاقات البلدين تحصل فيها اسرائيل على طائرات اميركية مجاناً، كما ذكر ديبلوماسيون اميركيون ومسؤولون في وزارة الدفاع. 2- تعهد اميركي بالتصويت بالفيتو على اي قرار لا ترضى عنه اسرائيل في مجلس الامن الدولي. 3- تعهد اميركي بأن يكون هذا التمديد لوقف الاستيطان هو الاخير الذي تطلبه ادارة اوباما من نتانياهو. صفقة مغرية بأي مقياس، كانت حنان عشراوي موفقة جداً عندما علّقت عليها بالقول ان اميركا تدفع لاسرائيل بالعملة الاستراتيجية لتحصل منها على مكاسب تكتيكية موقتة. لكن... ماذا كان الرد الاسرائيلي على هذا العرض الاميركي البالغ الكرم والمثير للّعاب؟ المزيد من الابتزاز، تحت ستار أن هناك انقساماً حكومياً بين معتدلين ومتشددين، وان هذا الخلاف يحرج نتانياهو امام حلفائه في الحكومة من احزاب الائتلاف اليميني. وهو ما دفع بأوباما، الرقيق القلب حيال الحرج الذي يصيب نتانياهو، الى القول: ان قبول العرض الاميركي ليس سهلاً بالنسبة الى رئيس حكومة اسرائيل، لكن الموافقة عليه ستبعث برسالة انه جاد في سعيه الى السلام. كل هذه العروض والصفقات الاميركية لم يصل منها شيء خطي الى الآن الى الجانب الفلسطيني. ابو مازن ورفاقه يقرأون عنها في الصحف مثلما نقرأ جميعاً. ربما ان ادارة اوباما مقتنعة ان موافقة الفلسطينيين على اي اتفاق بينها وبين نتانياهو ستكون من قبيل تحصيل الحاصل، مع ان الطرف الذي سيدفع حقيقة تكاليف هذه الصفقة هو الطرف الفلسطيني، اولاً لأن القدس مستبعدة بالكامل من خطة التجميد الاستيطاني، وثانياً لأن نتانياهو قادر على المماطلة خلال فترة التسعين يوماً المقبلة بهدف عرقلة اي اتفاق، في ظل التعهد الاميركي بأن مطالبته هذه المرة بتجميد الاستيطان ستكون الاخيرة. لم يعد مفيداً الحديث عن تراجع وعود اوباما والتزاماته حيال شروط السلام العادل في منطقة الشرق الاوسط. هذا الكلام صار من باب التكرار الممل. المفيد فقط هو القول ان ابتعاد اوباما عن المشاركة في صنع هذا السلام سيكون أقل ضرراً على الفلسطينيين ومصالحهم من الاحتلال الاسرائيلي نفسه.