وصل ممثلون عن الحكومة السورية وقوى المعارضة أمس إلى جنيف، عشية انطلاق جولة جديدة من مفاوضات تواجه معوقات عدة، ما يحد من إمكان تحقيق اختراق في طريق إنهاء نزاع مستمر منذ حوالى ست سنوات، بسبب وجود فجوة كبيرة بين موقفي الطرفين. وأعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن أمل في نجاح مسار المفاوضات في جنيف على رغم «محدودية تمثيل المعارضة»، فيما حذرت الخارجية الروسية من «محاولات أطراف لممارسة خداع» خلال جولة المفاوضات السورية. وقال لافروف: «كان في الامكان العمل على تمثيل أطراف المعارضة السورية في شكل شامل وواسع في مفاوضات جنيف» في انتقاد غير مباشر للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا. كما لفت لافروف إلى أن موسكو «كانت تصرّ منذ البداية على ضرورة إشراك أكراد سورية في هذه المفاوضات»، لكنه على رغم ذلك أشار إلى أن «تمثيل المعارضة في جنيف مقبول ولن تشكّل محدوديته عقبة كبيرة في المفاوضات». واعترضت أنقرة على دعوة «الاتحاد الديموقراطي الكردي» بزعامن صالح مسلم. في الاثناء، حذرت الناطقة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا مما وصفته «محاولات للخداع في سياق المفاوضات السورية في جنيف»، وأوضحت أن «أي محاولات للخداع بهدف تحقيق مصالح من لا يروق لهم السلام في سورية ووحدتها، ستؤثر سلباً في العملية السياسية برمتها». واعتبرت أن الشرط الضروري لنجاح الحوار في جنيف، يكمن في «ضمان طابع واسع التمثيل لوفد المعارضة السورية» وفق مقتضيات القرار الدولي الرقم 2254. واعتبرت الديبلوماسية الروسية أن «التجربة الإيجابية التي حققتها المفاوضات السورية في آستانة ستساهم في دعم العملية السياسية». وقالت إن مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيرغي فيرشينين، سيمثل روسيا في مفاوضات جنيف. ووصل وفد الحكومة وعلى رأسه مبعوث سورية الدائم لدى الأممالمتحدة بشار الجعفري أمس الأربعاء إلى جنيف، وفق ما أكد مصدر مقرب من الوفد ل «فرانس برس». كما وصل وفد المعارضة الأساسي الذي يضم ممثلين عن المعارضة السياسية وآخرين عن الفصائل المقاتلة، بعد ظهر أمس رافقه فريق من المستشارين والتقنيين، وفق ما أكد مسؤول إعلامي مرافق للوفد لوكالة «فرانس برس». وترأس وفد المعارضة المؤلف من 22 عضواً العضو في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية طبيب القلب نصر الحريري، وتم تعيين المحامي محمد صبرا كبيراً للمفاوضين. ويشارك في جولة المفاوضات الرابعة برعاية الأممالمتحدة في جنيف أيضاً وفدان من مجموعتين معارضتين أخريين تعرفان باسمي «منصة موسكو» و «منصة القاهرة». وتضم «منصة موسكو» معارضين مقربين من روسيا أبرزهم نائب رئيس الوزراء سابقاً قدري جميل، أما «منصة القاهرة» فتجمع عدداً من الشخصيات المعارضة والمستقلة بينهم الناطق السابق باسم وزارة الخارجية جهاد مقدسي. وكما سابقاتها، تواجه الجولة الجديدة من المفاوضات معوقات عدة، ولكنها أيضاً تأتي وسط تطورات ميدانية وديبلوماسية أهمها الخسائر الميدانية التي منيت بها المعارضة خلال الأشهر الأخيرة وأبرزها في مدينة حلب، والتقارب الجديد بين تركيا الداعمة للمعارضة وروسيا، أبرز داعمي النظام، فضلاً عن وصول الجمهوري دونالد ترامب إلى سدة الحكم في واشنطن. وعدد رئيس الدائرة الإعلامية في «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» السورية أحمد رمضان معوقات عدة أبرزها فشل تثبيت وقف إطلاق النار المعمول به منذ كانون الاول (ديسمبر)، وعدم وضوح موقف واشنطن من العملية السياسية. وأشار رمضان إلى «فشل روسيا و (محادثات) آستانة في تطبيق الإجراءات التمهيدية التي تشمل وقف الأعمال العدائية والعسكرية وإطلاق سراح المعتقلين ودخول المساعدات» إلى المناطق المحاصرة. ولفت إلى أن «الدول الضامنة لم تنجح في تحقيق تقدم في أي من هذه الملفات، ما سينعكس سلباً على مسار المفاوضات». واستضافت آستانة الأسبوع الماضي جولة ثانية من مفاوضات السلام السورية برعاية روسيا وإيران وتركيا. وكان على جدول أعمالها بند رئيسي يتعلق بتثبيت وقف إطلاق النار الهش. وأكد يحيى العريضي، أحد أعضاء فريق الاستشاريين المرافق للوفد المعارض ل «فرانس برس»: «أولوية وقف أطلاق النار» خلال المفاوضات، مضيفاً: «لا يمكن انجاز أي شيء من الأمور المطروحة على المسار السياسي من دون إنجاز قضية وقف إطلاق النار». وأضاف: «حاولنا في آستانة 1 وآستانة 2، لكن الوعود التي قدمت لنا من الضامن الروسي والضامن التركي لم تلق ترجمة على صعيد الواقع، وهذا معيق أساسي». كما تحدث رمضان عن «عدم وجود توافق أميركي- روسي حول استئناف العملية السياسية، فضلاً عن عدم وضوح مواقف إدارة الرئيس ترامب في شأن سورية والشرق الأوسط». ومن شأن ذلك، وفق قوله، أن «يجعل الموقف الدولي ضبابياً بعض الشيء في ما يتعلق بحماسة الأطراف الإقليمية للدفع باتجاه إنجاز حل سياسي عادل في سورية». ولم يصدر عن ترامب الذي طلب من البنتاغون خططاً جديدة قبل نهاية شباط (فبراير) لمكافحة تنظيم «داعش»، أي مؤشر حتى الساعة إلى مشاركة بلاده في جهود حل النزاع الذي أدى إلى مقتل أكثر من 310 آلاف شخص ونزوح الملايين. وستركز جولة المفاوضات الحالية أيضاً على عملية الانتقال السياسي في سورية، بما فيها وضع دستور وإجراء انتخابات. ولطالما شكلت عملية الانتقال السياسي نقطة خلافية بين الحكومة والمعارضة خلال جولات التفاوض الماضية، إذ تطالب المعارضة بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات تضم ممثلين للحكومة والمعارضة، مشترطة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، في حين ترى الحكومة السورية أن مستقبل الأسد ليس موضع نقاش وتقرره فقط صناديق الاقتراع. وقال العريضي في هذا الشأن إن «النظام أخذ على عاتقه منذ البداية أن يحكم سورية او يدمرها»، مضيفاً: «مبدأ الكل أو لا شيء هذا يعرقل في شكل أساسي أي فرصة أو امكانية لحل سياسي». وتابع: «طالما أن هذه الحالة موجودة فلا أتوقع أي منجزات خيّرة في جنيف إلا إذا كان هناك ضغط دولي ونية حقيقية لدى واشنطن تجاه المسالة السورية». وأضاف: «الآمال محدودة، هذا صحيح، لكن لا نعتبر آستانة او جنيف الا إحدى المعارك التي يخوضها السوري من أجل أن يعيد بلده إلى الحياة».