بدأ رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أمس، محادثات في موسكو مع المسؤولين الروس شملت نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وتركزت على المستجدات المحلية والاقليمية وخصوصاً ما يتعلق منها بعملية السلام وسبل تطوير التعاون بين البلدين في مختلف المجالات. وانقسمت الجلسة الى قسمين: واحد علني تخللته كلمات للطرفين، وآخر مغلق ثنائي. وكان الحريري عقد صباحاً في مقر اقامته في فندق «ريتز» اجتماعاً مع رئيس الهيئة الفيدرالية للتعاون العسكري ميخائيل ديماتريف بحضور نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الياس المر والمستشار جورج شعبان، وخصص اللقاء للبحث في التعاون العسكري بين البلدين اضافة الى المساعدات العسكرية الروسية للبنان. وعلمت «الحياة» ان البحث تركز على تزويد لبنان ثلاثة أنواع من الاسلحة: دبابات من نوع «ت 72»، ومدافع من عيار 122 من نوع «هورتز»، ومروحيات من نوع «ام 24» مع معداتها وذخيرتها، على ان يحدد حجم المساعدة في اللقاء مع بوتين. والتقى الحريري بطريرك موسكو وعموم روسيا للروم الأرثوذكس كيريل في مقر اقامته، وعقد معه اجتماعاً حضره عن الجانب اللبناني الوزراء المر ونجار ووردة، وكذلك نادر الحريري والمستشاران هاني حمود وجورج شعبان، وعن الجانب الروسي نائب وزير الخارجية الروسية مندوب الرئيس الروسي لشؤون الشرق الاوسط ألكسندر سلطانوف، والسفير المتجول اندريه فدوفين، ورئيس قسم سورية ولبنان في الخارجية الروسية اندريه بانوف، وممثل البطريرك هزيم في موسكو المطران نيفون سيقلي. واستعاد البطريرك كيريل علاقات روسيا الطيبة بالشعب اللبناني منذ قرون، كما استعاد ظروف الحرب التي مر بها لبنان والخسائر التي لحقت به «نتيجة الحرب الاهلية، والجهود التي تبذلها القيادة اللبنانية من اجل التغلب على الاسباب والعوامل التي ادت الى هذه الازمة»، وقال: «هذه الجهود تستحق التقدير والاعجاب، فلبنان شأنه شأن روسيا، دولة متعددة القوميات والطوائف، والانجازات التي تتحقق في بلدينا على صعيد العلاقات بين القوميات وبين الطوائف الدينية لها قيمة كبيرة على الصعيد العالمي». وتوقف ملياً عند «الدور الكبير جداً» الذي لعبه الرئيس رفيق الحريري في بناء لبنان وإرساء السلام فيه، وكانت الكنيسة الارثوذكسية مشمئزة من العمل الاجرامي الذي اودى بحياة والدكم، ونرحب باقامة المحكمة الخاصة بلبنان برعاية الاممالمتحدة للتحقيق في هذه الجريمة». ولفت الى ان «البلدان تعتقد ان من اجل ايجاد التوازن بين الطوائف المختلفة يجب جعل المجتمع علمانياً، ولهذا السبب يحاولون ابعاد الدين عن الحياة الاجتماعية، ونحن في الكنسية الارثوذكسية الروسية نعتقد ان هذه الطريقة ليست سليمة، واعتقد ان محاولات بناء العلاقة السليمة بين مختلف الاديان في بلادكم امر يستحق اهتماماً كبيراً، لان هذه المحاولات لا ترمي الى وضع القيود على الحياة الدينية للمواطنين بل تحاول ايجاد الانسجام على صعيد العلاقات بين مختلف الاديان والطوائف. ونحن في روسيا نسير على الطريق نفسه». واعرب عن اعتقاده «ان احد هذه العوامل الايجابية هي اعتراف المنتمين الى مختلف الطوائف والاديان بأعياد بعضهم بعضاً، وأعلم انه بمبادرة منكم اصبح عيد بشارة السيدة العذراء عيداً رسمياً في لبنان، ومسألة التعاون بين مختلف الطوائف والاديان لها اهمية كبيرة في بلدنا وفي العالم كله ولدى المنظمات الدولية ايضاً. ونعتقد ان منظمة الاونسكو يمكن ان تشكل الاساس المناسب لهذا العمل». وتوقف عند دور لبنان في الشرق الاوسط الذي «يبقى ارضاً للكتاب، ونحن نسمي هذه الاراضي اراضي مقدسة، وما يأسف له مؤمنون ان العدالة لم تتحقق بعد في هذه الاراضي، وتعود الاهمية القصوى للجهود التي تبذلها الطوائف والدول من اجل ايجاد حل لذلك وازالة الاسباب التي تغذي النزاع في الشرق الاوسط». واشار الى مسألة الحجّاج الروس الذين يزورون الاراضي المقدسة «والذين يوازي عددهم اؤلئك الذين يزورون لبنان، وأرسوا أسس العلاقات المتينة اللبنانية - الروسية»، وقال: «يوجد الآن في لبنان حوالى خمسة آلاف مواطن ينتمون الى الكنيسة الارثوذكسية الروسية، ومن بينهم من ينتمي الى عائلات روسية معروفة لها تاريخ مجيد في اعماق التاريخ، وتزوج بعضهم ايضاً من مواطنين لبنانيين، ولهذه الزيجات اهمية في نظرنا. والبطريركية الارثوذكسية تنشط في لبنان». وشكر الحريري للبطريرك استقباله، وقال: «نحن في لبنان نعيش في ظل حقيقة تتمثل بالعيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، وهي ليست مجرد شعار، استطعنا من خلال دستور الطائف ان نؤمّن المناصفة بين المسيحيين والمسلمين مهما اختلفت الأعداد بينهم، واعطى دستور الطائف كل هذه الطوائف والمذاهب حصة في الدولة، ولكن الامر المهم هو ان يدرك كل واحد منا ان ليس لديه حصة فقط في الوطن، بل ان عليه مسؤولية ايضا تجاه هذه الدولة، وهذه المسؤولية توجب علينا جميعا كلبنانيين ان يقف بعضنا الى جانب بعض، وان نتحمل هذه المسؤولية مجتمعين. من هنا إيماننا بلبنان الرسالة والعيش المشترك هو فعلاً الوسيلة التي تمكِّن هذا البلد من النهوض بجهود كل ابنائه». واذ اشار الحريري الى تاريخية العلاقة مع روسيا، أكد «ان الاسلام ايضاً دين يدعو الى السلام الذي يشكل اساساً للعيش المشترك في منطقة الشرق الاوسط، كما ان الحوار بين الاديان والحضارات امر مهم جداً، ولكن المشكلة اليوم ليست بين الحضارات والاديان، بل سياسية، فكلنا يعبد ربّاً واحداً وإلهاً واحداً، ولكن يجب علينا ايجاد حل للمشكلة السياسية، وخصوصاً القضية المركزية للعرب والمسلمين والمسيحيين، وهي مشكلة فلسطين والاراضي المقدسة. ودائماً اتذكر ما قاله لي احد رجال الدين يوماً، وهو ان هناك الكثير من التعصب والقليل من الدين، وهذا ما يشكل المشكلة الفعلية لنا اليوم، فقليل من الناس تفهم الدين، وكل من يفهم الدين يدرك ان المشكلة ليست بين الاديان، بل انها في السياسة ويجب ايجاد حل سياسي لها. وأعتقد ان العمل الفعلي يجب ان يتركز على ترسيخ خط الاعتدال الذي يشكّل حلاً لكل الاديان، ونؤكد ما قلتموه اليوم، وهو ان العيش المشترك هو الاساس لتعيش الشعوب بعضها مع بعض». وتوقف الحريري عند مناسبة الوقوف على جبل عرفة، قائلاً: «ذلك يُظهر ان باستطاعتنا ان نسمع بعضنا بعضاً، وان نعيش بعضنا مع بعض، واتمنى عليكم ان تعملوا على المساهمة في حل مسألة الصراع على الاراضي المقدسة وعلى فلسطين، وان تعود فلسطين الى الفلسطينيين بحسب حق العودة، وان تكون القدس عاصمتهم، الامر الذي يشكل اساساً للقضاء على جزء كبير من الارهاب والتطرف والظلم». وشكر الحريري للبطريرك كيريل ايضاً «مطالبتكم بتحقيق العدالة واحقاق الحق في ما يتعلق بالمحكمة الدولية واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي كان يمثل خط الاعتدال العربي الكبير». كما استقبل الحريري في مقر اقامته الرئيس التنفيذي لشركة «لوك اويل» سيرغي شابليغين وهي اكبر شركة نفطية في روسيا، وبحثا في حضور المستشارين جورج شعبان ومازن حنا، سبل توسيع استثمارات الشركة وعملها في لبنان، اضافة الى العمل على اعادة تأهيل مصفاة طرابلس على نفقة الشركة لتتمكن من استجرار النفط من العراق الى لبنان تمهيداً لإعادة تصديره الى دول المنطقة. وفي اللقاءات التي عقدها الوزراء الذين هم في عداد الوفد المرافق للحريري، عقد وزير الدولة عدنان القصار اجتماعاً مع رئيس غرفة التجارة والصناعة لروسيا الاتحادية رئيس الجانب الروسي لمجلس الاعمال العربي- الروسي يفغيني بريماكوف، وجرى البحث في التحضيرات الجارية لعقد الاجتماع المقبل للمجلس وسبل تطوير التعاون الاقتصادي الروسي العربي بشكل عام والروسي اللبناني بشكل خاص. وأكد القصار ان «وجود الرئيس الحريري على رأس الحكومة اللبنانية يشكل حافزاً قوياً للمستثمرين الروس للمجيء الى لبنان نظراً لما يتمتع به من صدقية وخبرة وثقة». ووقع وزير العدل ابراهيم نجار مع المدعي العام الروسي يوري شايكا اتفاق تعاون بين الوزارة والمدعي العام الروسي. كما وقع وزير الثقافة سليم وردة اتفاقاً مع نظيره الروسي الكسندر ابدياف تتعلق بالتعاون الثقافي بين البلدين.