مفهوم انتزاع الصلاحيات شبه غائب في ثقافتنا العملية، وهو من معوقات تقدم الشباب، خصوصاً في القطاع الخاص، والمقصود هو الانتزاع بفرض الاحترام الناتج من المهنية العالية، والثقة بالنفس، والإقدام والمبادرة بما يقلّص المركزية، ويسهم في تجديد الدماء باستمرار في شرايين المنشأة. لكن المفهوم يحضر بقوة عند أولياء الأمور، عندما يأمرون بتأجيز أبنائهم في أيام الدراسة الأخيرة التي تسبق أية إجازة، بل يتجاوز بعضهم ذلك إلى منحهم إجازة في الأيام الأولى للعودة إلى المدرسة، وتجد الآباء تحديداً، وأكثر من الأمهات بكثير يسألون بعضهم «أجزت العيال؟». الموضوع لا يقف عند هذا الحد، فالمعلمون ثبت تورط بعضهم في هذه الثقافة، فبعضهم يحث أبناءنا على عدم الحضور بطرق غير مباشرة، فهم يخبرونهم بأن الأيام الأخيرة لن تكون فيها دراسة، ثم هم يبدون تذمرهم من كثرة الغياب، الذي سيحصل في تلك الأيام، وذلك قبل قدومها بالطبع لتذكيرهم بالغياب. وما الذي يحدث في الأسبوع الأخير، يغيب في اليوم الأول اثنان أو ثلاثة، ثم يتضاعف الرقم غداً، ويصبح حضور ثالث يوم اثنين أو ثلاثة، وبطبيعة الحال سيرأف الوالد بولده و«يشرهه» غياب يومي الثلثاء والأربعاء كما شاهدنا الأسبوع الماضي. هذه المشكلة التي تبدو صغيرة تعطي الصغار والمراهقين الإشارات الأولى لتكوين الشخصية العربية الحديثة، عدم الالتزام بالنظام، عدم احترام الوقت، أخذ ما لا يستحق ب«الاستهبال»، أو الالتفاف لأخذ ما يعتقد أنه يستحقه لكن من دون مواجهة أو جهد، والأهم هو إشاعة ثقافة الكذب، حيث البحث عن الأعذار الواهية. أيضاً أصبح عرفاً سعودياً، وربما هو خليجي أو عربي أيضاً، إن من يتأخرون في العودة للمدارس عادة هم أبناء الوجهاء والأغنياء، لأنهم يسافرون إلى محطات بعيدة في الإجازات، فيحاول الآخرون التشبه بهم، أو «الاحتكاك» بهم كما في لغة المراهقين. العلاقة المتوترة مع المدرسة يقع اللوم فيها على التعليم والمعلمين وبيئة المكان وظروفه وأحكامه وأجوائه التي غالباً هي «كئيبة»، وجزء من هذا اللوم يقع على عاتق أولياء الأمور الذين يكرسون في أبنائهم انطباعاتهم من جهة، وهم أيضاً لا يعملون على تغيير هذا الواقع بالتواصل مع المدرسة. بحساب بسيط تبدو كمية الإجازات السنوية المدرسية كبيرة، وإذا أضفنا إليها نحو شهر تقريباً هو مجموع «التأجيزات» التي يغتصبها الطلاب وأسرهم بمباركة من المعلمين الكسولين، فإننا نصل إلى أن نصف العام تقريباً هو إجازة. ثم يأتي مربط الفرس عندما نتحدث عن الإنتاجية والالتزام في العمل، فالشاب الذي يدعوه والده للغياب عن يوم درس رسمي، ويساعده معلمه في تنفيذ ذلك من أجل راحته الشخصية، تتكرس لديه ثقافة «التفريك»، التي لا يمكن اعتبارها سوى سرقة الوقت المدفوع ثمنه له، وتشويه صورة الموظف السعودي. [email protected]