بعد أربعة أسابيع في البيت الأبيض، لم يتوان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التعبير عن غضبه. ففي الغرفة الشرقية المهيبة في البيت الأبيض، وجه الرئيس أمس (الخميس)، انتقادات حادة إلى وسائل الإعلام والقضاء وإلى الديموقراطيين المتهمين بتقويض جهوده. تلك الانتقادات لم تمر مرور الكرام على وسائل الإعلام الأميركية، بل أثارت موجة عارمة من الانتقادات اللاذعة، تجسدت في العناوين الرئيسة للصحف ونشرات الأخبار، موجهة سيلاً من ردود الفعل الساخرة والتي لم يلقها رئيس أميركي من قبل. ففي مؤتمر صحافي مرتبك استغرق ساعة ونصف الساعة تقريباً واعتمد فيه نبرة غير مألوفة في مثل هذه المناسبات، تحدث ترامب من بين مواضيع أخرى، عن شبح «محرقة نووية». وخلافاً لكل الأدلة، استهل الرئيس الجمهوري المؤتمر الصحافي بالقول إن إدارته الجديدة تعمل «مثل آلة محكمة الضبط»، وفق ما نقلت وكالة «فرانس برس». صحيفة «واشنطن بوست» كتبت تحت عنوان: «في أداء غير منتظم، ترامب يظهر لأنصاره من هو صاحب الأمر»، إن الرئيس أصر وعلى مدار 47 دقيقة من أصل 77 دقيقة، على أنه «لا يصرخ أو يهذي» على رغم أنه كان يقوم ذلك. وأضافت الصحيفة «ترامب انتقد أعداءه المزعومين، انتقد مسربي الأخبار. برأ نفسه من اللوم. وشجب وسائل الإعلام، قائلاً إن الأخبار ملفقة، واليوم صارت ملفقة جداً». ووصفت «واشنطن بوست» الرئيس الأميركي ب «اللعوب» إذ تهرب مراراً من الإجابة على «الأسئلة الصعبة»، خصوصاً في ما يتعلق بالموضوع الروسي الذي اعتبره «حيلة»، وتقول الصحيفة إن ترامب قدّم عرضاً مسرحياً، فتارة يطلق النكات وطوراً يهادن. أما «نيويورك تايمز» فعنونت: «في 77 دقيقة من الفوضى، ترامب يدافع عن آلة محكمة الضبط»، وقالت إن «المؤتمر الصحافي لم يخل من تسجيل نقاط لمصلحة ترامب. بيانه الأول كان عبارة عن موجة من التفاؤل في عالم الأعمال وتوافر فرص العمل، في رسالة ركز فيها على أن تلك القضايا هي التي ساعدت على انتخابه، جاذباً عدداً قليلاً من الصحافيين إلى نقاش (فخ) للحديث عن مستوى عملهم وجودة تقاريرهم، بدلاً من الخوض في الأسئلة الأصلية التي طرحوها عليه أثناء المؤتمر». ووضع ترامب نصب عينيه هدفاً واضحاً هو التحدث إلى الذين أوصلوه إلى الحكم وجعلهم شهوداً. وقال «أنا هنا حتى أوصل رسالتي مباشرة إلى الشعب... لأن عدداً من الصحافيين في بلادنا لن يقولوا لكم الحقيقة ولن يتعاملوا مع الناس الشرفاء في هذا البلد بالاحترام الذي يستحقونه». صحيفة «ذا أتلانتيك»، وتحت عنوان: «هل يكره ترامب عمله الجديد؟»، قالت: «عقد ترامب المؤتمر الصحافي الأول في فترته الرئاسية، وكان مذهلاً، تجربة مربكة، فكّر في حرب نووية، صعّد صراعه مع الصحافة، واصل الخوض في عملية فرز الأصوات في تشرين الثاني (نوفمبر)، تساءل إذا كانت المراسلة الأفريقية الأصل لها علاقة بكتلة النواب السود في الكونغرس». إلا أن الصحيفة تساءلت عن المشكلات الأخرى التي طرحها ترامب خلال حملته، مثل محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» والمشكلة الاقتصادية، قائلة: «هل يتوقع ترامب أن لا تكون تلك المشكلات مستعصية»، بعدما وعد بحلها خلال حملته الانتخابية، «أم أنه لا يؤمن بخطابه، أو أنه اعتقد أن كل تلك المشكلات ستذوب بمجرد انتخابه رئيساً؟». مجلة «فورين بوليسي» عنونت: «ترامب هاجم كل الحاضرين في المؤتمر الصحافي»، وقالت: «النجم السابق لبرنامج تلفزيون الواقع، قدّم عرضاً لا مثيل له». وأضافت: «الرئيس قدّم إدارته على أنها آلة مضبوطة بإحكام، مصراً على أنه ورث الفوضى، في مؤتمر صحافي تميز بالتبجج على وسائل الإعلام». وتابعت «استنكر (ترامب) تغطية وسائل الإعلام البغيضة والمتحيزة، وتفاخر مجدداً بفوزه في الانتخابات، محققاً أكبر فوز منذ عهد الرئيس الأسبق دونالد ريغان». وفي مقال آخر في «فورين بوليسي» تحت عنوان: «الامبراطور ترامب الضعيف»، قالت الصحيفة: «هل يمكن لترامب أن يضع حداً للرئاسة الامبراطورية؟» وأضافت: «ترامب إمبراطوري خلقياً. من ميله للمراسيم التنفيذية إلى ذوقه في القصور المسورة بالنخيل، والمليئة بالأثاث المذهب، والخدم. هو إمبراطور أكثر منه رئيساً، إذ يساوي شخصه بالدولة». وتابعت: «فكرة الرئاسة الإمبريالية، كما وصفها المؤرخ آرثر شليزنغر الإبن منذ أكثر من أربعة عقود، متجذرة في إدارة السياسة الخارجية التي شارك فيها الرئيس. يستغل الشعور المستمر بالتهديد ويؤجج المخاوف لتحقيق مقدار أكبر من السلطة على حساب المساءلة. ومثلما يوضح شليزنغر، فإن العناصر الأساسية للتفوق الرئاسي هي الوحدة، والسرية، والخبرة العالية، والمعلومات الخاصة، وسلطة اتخاذ القرار، كلها تعطي البيت الأبيض قدرة على التحكم، والتي وفق شليزنغر، تعد أمراً غير ديموقراطي وخطراً». في الإطار نفسه، أفاد استطلاع أعده مركز «بيو» للأبحاث ونشرت نتائجه أمس، بأن شعبية ترامب بعد شهر في السلطة، أكثر تدنياً بأشواط من شعبية خمسة رؤساء سبقوه إلى المكتب البيضاوي، سواء كانوا جمهوريين أو ديموقراطيين. إذ يؤيد 39 في المئة من الأميركيين بالإجمال سياسته، بينما ينتقدها 56 في المئة.