تبارى أركان الحكومة الإسرائيلية في إطلاق التصريحات التي تؤكد أن الدولة العبرية غير آبهة بالضغوط الأميركية عليها لوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. واعتبر مراقبون تصريحات وزراء في الحكومة الإسرائيلية في اليومين الأخيرين تحدياً للإدارة الأميركية الجديدة، ورفضاً صريحاً لضغوط و «إملاءات» أميركية في ما يتعلق بالمسار التفاوضي مع الفلسطينيين. وافتتح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الجلسة الأسبوعية لحكومته أمس بتأكيد تمسّك إسرائيل باحتلالها للقدس، مستذكراً أنه في احتفالات «يوم القدس» الأسبوع الماضي «أكدتُ أهمية المحافظة على جبل الهيكل (المسجد الأقصى المبارك) وحائط المبكى (البراق) والبلدة القديمة والعمل على تطويرها». وأضاف: «سنؤكد اليوم أهمية الحفاظ على مستقبل القدس كمدينة مزدهرة، وكنت أتمنى أن تتوقف ظاهرة مغادرة (اليهود العلمانيين) للمدينة للسكن في تل أبيب، وأتمنى أن نرى هجرة معاكسة من تل أبيب إلى القدس». وقال خلال مناقشة حكومته مسألة البؤر الاستيطانية العشوائية التي تطالب الولاياتالمتحدة إسرائيل بتفكيكها كما التزمت قبل 5 سنوات، ان لا نية لديه لإقامة مستوطنات جديدة «لكن لا نزاهة في المطلب بعدم توفير ردود للتكاثر الطبيعي ومنع البناء في يهودا والسامرة (الضفة)». ورداً على مطالبة وزراء «العمل» تفكيك البؤر في مقابل معارضة وزراء اليمين ذلك، دعا نتانياهو وزراء حكومته إلى «الوحدة لأننا لسنا في أزمان عادية، بل علينا إعطاء الردود للتهديدات مثل التهديد الايراني، وهذا يتطلب منا توحيد القوى ووضع سلم أولويات»، مضيفاً أنه «ينبغي الحفاظ على القانون (في إشارة إلى عدم قانونية البؤر الاستيطانية) والسعي الى حل كل شيء بالتحاور». وزاد أن إسرائيل لا تريد الفلسطينيين (في الأراضي المحتلة عام 1967) كرعايا او كمواطنين: «لا نريد السيطرة عليهم ولا نريد ايضاً أن يشكلوا خطراً علينا... لكننا لن نسمح لأنفسنا برؤية حماستان ثانية في قلب الدولة». من جهته، تطرق وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، قبل بدء الاجتماع، إلى ما أشيع عن مبادرة سلام أميركية جديدة (نفى البيت الأبيض وجودها)، وقال: «لا حاجة لمبادرة سلام جديدة» في الشرق الأوسط، مضيفاً أن الوثيقة الوحيدة الصحيحة بالنسبة الى إسرائيل هي «خريطة الطريق» الدولية «وربما حان الوقت للتصديق عليها من جديد». وتابع أن هذه الخريطة تتحدث عن مراحل ينبغي تطبيقها «وهي أيضاً تضمن مصالح إسرائيل». وزاد ان العودة إلى حدود عام 1967 «في الظروف الحالية، كما يضغطون علينا، لن تحقق السلام ولا الأمن ولا نهاية النزاع». وقال إن النتيجة ستكون نقل الصراع إلى داخل حدود إسرائيل. وكان ليبرمان عزا في تصريحات سابقة قبوله المفاجئ «خريطة الطريق» إلى أن «البنود الأخيرة منها» تتحدث عن إقامة دولة فلسطينية، «لكن هناك عشرات البنود الأخرى التي تتطرق إلى استحقاقات الفلسطينيين، وسننتظرهم حتى ينفذوها». وتطرق ليبرمان إلى ما نشرته «دير شبيغل» الألمانية عن مسؤولية «حزب الله» في اغتيال رفيق الحريري، وقال: «يجب إصدار أمر اعتقال دولي بحق (الأمين العام للحزب السيد) حسن نصرالله». من جانبه، اشترط زعيم حركة «شاس» وزير الداخلية ايلي يشاي تفكيك البؤر الاستيطانية العشوائية بمعالجة ما وصفه «البناء غير القانوني للفلسطينيين سواء في الضفة الغربية او داخل إسرائيل». وأضاف انه يجب عدم التصادم مع الأميركيين في شأن البناء في المستوطنات «لكن ينبغي أن نقنعهم بأن المستوطنين في ضائقة، وأنه لا يعقل عدم البناء للتجاوب مع التكاثر الطبيعي». باراك سيخلي 22 بؤرة وشن عدد من وزراء اليمين المتشدد هجوماً على وزير الدفاع زعيم «العمل» ايهود باراك على خلفية إعلانه أنه سيخلي البؤر الاستيطانية العشوائية، وسط أنباء عن دعم نتانياهو لموقفه. وقال باراك إن الجيش سيخلي البؤر العشوائية ال22 (علماً أن عددها الأصلي يفوق المئة)، سواء بالتفاهم مع قادة المستوطنين أو بالقوة. واضاف ان إخلاء البؤر ليس بسبب الضغوط الأميركية إنما احتراما للقانون. «تجديد التفاهمات على الاستيطان» في غضون ذلك، أفادت صحيفة «هآرتس» أن نتانياهو، وفي محاولة لصد الضغط الأميركي لوقف البناء في المستوطنات، سيحاول تجديد التفاهمات الخطية والضمنية القائمة بين إسرائيل والولاياتالمتحدة منذ عام 2001 والتي رسمت حدود «المتاح والمحظور» في المستوطنات. وبحسب مصدر سياسي إسرائيلي، فإن الولاياتالمتحدة لم تعترف رسمياً بالتفاهمات، لكنها «غضت الطرف» عن مشاريع البناء الجديدة في المستوطنات ولم تنتقدها بحدة. وحددت التفاهمات أربع مناطق استيطانية، الأولى في القدس ويقضي التفاهم في شأنها برفض إسرائيل شمل المدينة وقف الاستيطان في الأحياء الفلسطينية في القدسالشرقية. أما في الكتل الاستيطانية الكبرى التي تعتبرها إسرائيل جزءاً من أراضيها في إطار أي اتفاق على الحل الدائم، فيقضي التفاهم بمواصلة البناء أيضاً خارج خط البناء القائم، لكن بمحاذاة المباني القائمة. أما في المستوطنات «النائية» التي بقيت شرق الجدار الفاصل، فيسمح البناء ضمن خط البناء القائم. وتطرق التفاهم الرابع إلى تفكيك البؤر الاستيطانية العشوائية ال26، بعد إضفاء الشرعية على نحو مئة منها. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه التفاهمات أتاحت لرئيس الحكومة السابق ايهود اولمرت المصادقة على بناء آلاف الشقق السكنية الجديدة في القدسالشرقية وفي الكتل الاستيطانية بعد مؤتمر أنابوليس أواخر عام 2007. وزادت أن الإدارة الأميركية «اكتفت» بتوجيه «انتقاد مخفف» أو أنها غضت الطرف تماماً عن البناء. وتابعت الصحيفة أن مستشاري نتانياهو سيلتقون الأسبوع الجاري في لندن مسؤولين في الإدارة الأميركية للبحث في التفاهمات المذكورة، وفي مضمون الخطاب الذي سيلقيه الرئيس باراك اوباما في القاهرة الأسبوع المقبل. «نرفض الإملاءات الأميركية» وكان وزير الشؤون الاستراتيجية موشي يعالون أعلن مساء أول من أمس أن الحكومة الإسرائيلية لن تقبل بأي إملاءات من الولاياتالمتحدة ولن توقف الاستيطان. وأضاف أن «الاستيطان لم يكن السبب في فشل العملية السياسية ولم يشكل في أي مرحلة عثرة في طريق السلام... وايضا عندما أخلينا مناطق تواصل الإرهاب وعندما فككنا مستوطنات في غزة حصلنا على حماستان». وزاد مستدركا ان «ما تطلبه واشنطن ليس إملاءً بعد وسنرى كيف ستترجم تصريحاتها في هذا الشأن إلى لغة السياسة... واقترح على أنفسنا وعلى الولاياتالمتحدة أن نحدد جداول زمنية للعملية السياسية من دون تهديدنا... ليس دائماً تتفهم الولاياتالمتحدة الوضع هنا ومهمتنا أن نساعدها في فهمه». «بدائل لفكرة الدولتين» إلى ذلك، يشارك أيالون غداً في مؤتمر خاص في الكنيست تحت عنوان «بدائل لفكرة الدولتين» دعا إليه نواب في «ليكود» الحاكم، والغرض منه «دفن حل الدولتين»، على ما أفادت صحيفة «معاريف» أمس. وقالت المبادرة إلى المؤتمر النائب في الكنيست تسيبي خوطوبيلي إن «الهدف من عقد المؤتمر هو إرسال رسالة واضحة تقول إنه تم انتخاب حكومة جديدة في إسرائيل وإن الشعب قال «لا» لفكرة الدولتين، ومنح نتانياهو الثقة ليقود طريقا جديدة». وتابعت أن المؤتمر ليس ضد رئيس الحكومة «إنما لدعم موقفه الرافض إقامة دولة فلسطينية». وقالت أيضاً إنه «يجدر بالإدارة الأميركية أن تكف عن استحداث أفكار سياسية سبق أن أوصلت إلى طريق مسدود». وأضافت أن المؤتمر، الذي سيشارك فيه أيضاً رئيس مجلس الأمن القومي السايق الميجر جنرال في الاحتياط غيورا أيلاند، سيطرح حلولا أخرى إقليمية لحل الصراع تستند إلى إشراك مصر والأردن بصفتهما الدولتين اللتين كان قطاع غزة والضفة الغربية ضمن أراضيهما قبل حرب عام 1967. «الحصار على غزة» من جهة اخرى، أفادت تقارير صحافية أن الحكومة الأمنية المصغرة بحثت أمس في الطلب الأميركي تخفيف الحصار عن قطاع غزة وتمكين نقل المواد الغذائية والأدوية الى القطاع بدلا من تهريبها عبر الأنفاق من سيناء إلى القطاع. ووفقاً لصحيفة «هآرتس»، فإن الأميركيين أوضحوا لنتانياهو خلال زيارته الأخيرة لواشنطن أن 80 في المئة من الأنفاق تستخدم لتهريب بضائع ومواد غذائية وأدوية، «وعليه فإنه في حال خففت إسرائيل من حصارها على غزة، فإن عددا كبيرا من هذه الأنفاق سيعلن إفلاسه، وعندها سيكون أسهل على مصر التركيز على منع تهريب الأسلحة إلى القطاع». لكن نتانياهو رد على الطلب الأميركي بالقول إن إسرائيل ليست معنية بفتح المعابر أو القيام بأي خطوة من شأنها تعزيز حكم «حماس» في القطاع، متبنياً بذلك موقف المؤسسة الأمنية التي ترى في تشديد الحصار على القطاع رافعة ضغط على «حماس»، ورداً على تجميد الاتصالات في شأن صفقة تبادل الأسرى.