كان تكرير النفط في أوروبا مربحاً، ولكن هوامش الأرباح تقلصت في انتظار إعادة رسم خرائط الأعمال النفطية في العالم، نظراً إلى المستجدات الجيوسياسية في كل من الولاياتالمتحدةوروسيا. وتريد الولاياتالمتحدة منافسة دول الخليج لتزويد أوروبا وسويسرا بالغاز الصخري، أما روسيا فتهدد بقطع الغاز عن أوروبا في حال تدخلت الأخيرة لمنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من إعادة ضم دول في الاتحاد السوفياتي السابق تمهيداً لولادة روسيا عظمى جديدة. وأشار خبراء سويسريون إلى أوضاع كبار مكرري النفط في أوروبا، وعلى رأسهم مجموعة «رويال داتش شل» الأكبر أوروبياً، التي لم تحقق في الأسابيع الأخيرة الأرباح المنشودة، وهي المرة الأولى منذ 10 سنوات تفشل فيها الشركة في تحقيق أهدافها المالية. ولا شك في أن صناعات النفط والغاز الأوروبية تشهد اليوم ثورات داخلية لم تتضح معالمها بعد. فمثلاً، آلت القدرة الإنتاجية الفائضة في أعمال تكرير النفط الأوروبية إلى إغلاق شركة «بتروبلاس»، التي كانت تتخذ من سويسرا مقراً رئيساً، عام 2012، ومنذ ذلك الحين لم تسترجع صناعات تكرير النفط في سويسرا وضعها الطبيعي. لافت أن إحصاءات سويسرية حديثة أظهرت أن تجهيزات الوقود في العالم لا تأتي حصراً من مصانع ومعامل التكرير، بل من مصادر أخرى، شرعية وغير شرعية، ما يعني أن الأرباح الناجمة عن أنشطة التكرير تتراجع باستمرار. وأفاد خبراء بأن حكومة برن تسعى إلى تفادي التدخل في الصراعات السياسية والطاقوية الأوروبية - الروسية، فتجهيزات الوقود بالنسبة الى سويسرا مسألة حيوية. وبما أن بعض الدول في آسيا والشرق الأوسط يسعى هذه السنة إلى تعزيز العروض على صادرات الوقود، تحاول حكومة برن إبرام اتفاقات إستراتيجية معها. وعموماً، تبدي الدول الأوروبية اهتماماً بثورة الغاز الصخري الأميركي، ولكن بداية تدفقه بالكميات الكبيرة المطلوبة إلى أوروبا يحتاج وقتاً غير قصير. ولذلك، يبقى النفط الخليجي يلقى صدى تجارياً جيداً في سويسرا، وهذا واضح عند النظر إلى منشآت تكرير النفط في الجبيل السعودية التي زادت إنتاجها اليومي بمقدار 400 ألف برميل لتلبية الطلبات الخارجية، كما بدأت دولة الإمارات بزيادة أنشطة تكرير النفط، بهدف تصديره الى أوروبا. وتخطط دول آسيوية لزيادة أنشطة تكرير النفط بنحو 60 في المئة لتلبية النقص في أنشطة التكرير الأوروبية والسويسرية، أما منطقة الشرق الأوسط، فتخطط لزيادة هذه الأنشطة 26 في المئة هذه السنة. ولفت المشغلون الطاقويون المحليون إلى أن الطلب السويسري على الغاز السائل سيرتفع هذه السنة، كما سيرتفع الطلب على وقود الايثانول، بما أن صناعات السيارات تشهد ثورة بيولوجية. ويتوقع هؤلاء أن يرتفع الطلب على شتى أنواع الوقود بمعدل 17 مليون برميل من النفط يومياً حتى عام 2035. وفي ما خص منشآت تكرير النفط، فلن تتمكن من معالجة أكثر من 10 ملايين برميل يومياً نتيجة تقلص أعمالها بسبب تآكل الأرباح، ما يعني أن سويسرا ستحتاج 7 ملايين برميل من النفط المكرر يومياً لتشغيل قطاعاتها الإنتاجية.