تجددت الاشتباكات أمس بين محتجين ووحدات من الدرك الأردني في مدينة معان جنوبالأردن بعد ليلة هادئة، في وقت دانت غالبية البرلمان طريقة التعامل الرسمية مع المدينة، ووصل الأمر إلى درجة أن بعض النواب حذر من تحوّل معان إلى درعا جديدة، في إشارة إلى مدينة درعا السورية الواقعة قرب حدود المملكة الشمالية. وأودت الاشتباكات بين سكان يقطنون المدينة الصحراوية التي تعتبر معقلاً قبلياً وبين السلطات التي تقول إنها تنفذ مطاردات أمنية وتبحث عن مطلوبين، إلى مقتل 10 شبان في غضون عام، كان آخرهم الشاب قصي الإمامي (19 سنة) الذي يقول وجهاء معان إنه قضى برصاص الأمن الثلثاء الماضي. ومنذ ذلك اليوم، ألقت أعمال العنف بظلالها على المدينة، وتحوّلت الشوارع الرئيسة إلى ميدان معركة مع تصاعد الدخان من مبان حكومية وبنوك وسيارات شرطة. وتشتعل الاشتباكات وتخبو بين سكان في المدينة التي تعاني الفقر والتهميش وبين الأجهزة الرسمية منذ عام 1989، لكن الاشتباكات الأخيرة تعد الأعنف منذ سنوات. وقال سكان ووجهاء محليون ل «الحياة» إن من المستبعد انتهاء الاشتباك قريباً على رغم وساطات عشائرية تبذلها شخصيات من محافظات المملكة المختلفة منذ أيام، ومن هذه الشخصيات وزير الأوقاف السابق محمد نوح القضاة. وحصلت «الحياة» على تسجيلات مصورة أظهرت جانباً من الاشتباكات التي وقعت أمس في منطقة إسكان المهندسين، وهي إحدى ضواحي المدينة. وقال أحد ناشطي معان صالح أبو طويلة ل «الحياة» إن «محتجين ملثمين أطلقوا النار بكثافة صباح اليوم (الأحد) على مبنى الاستخبارات العسكرية في المحافظة، من دون وقوع إصابات». وأضاف أن «الاشتباكات ما تلبث أن تنتهي حتى تعود، تحديداً في ساعات الليل». وتابع: «حتى الآن، تبدو المعادلة صفرية، فلا الحكومة استطاعت اعتقال من تصفهم بالمطلوبين، ولا الوجهاء نجحوا في تنفيذ مطالبهم الخاصة بكشف قتلة الإمامي، وإقالة الحكومة المحلية، ووزير الداخلية». من جانبه، اتهم الناشط السياسي الدكتور أكرم كريشان وهو أحد وجهاء المدينة أيضاً، قوات الدرك بإطلاق النار على منزله ظهر أمس. وقال ل «الحياة» إن «قوات تتبع الدرك دهمت منزلي، وأطلقت زخات من الرصاص والغاز المدمع، وكادت أن تقتل أحد أبنائي». وأضاف أن «معان تتعرض إلى مؤامرة تقودها أجهزة رسمية لا تريد الخير للبلد». جاء ذلك فيما هاجمت غالبية البرلمان طريقة التعامل الرسمية مع معان، وحمّلت الحكومة ووزير الداخلية حسين المجالي خصوصاً مسؤولية المواجهات الأخيرة. وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية السابق في البرلمان النائب بسام المناصير إن «على وزير الداخلية أن يتذكر ما حدث في مدينة درعا السورية عندما تسبب تعامل محافظ المدينة مع الغضب الشعبي هناك باندلاع الثورة». ودعا العديد من النواب الحكومة إلى «تغليب لغة العقل خلال التعامل مع الأحداث حتى لا تتسع شرارتها وتصعب السيطرة عليها»، ودان الكثير منهم ما اعتبروه «استهداف» المدينة. لكن وزير الداخلية قال أمام البرلمان إن «الحملة الحالية لا تستهدف معان وأهلها، وإنما هدفها القبض على 19 مطلوباً متهمين بالضلوع في إطلاق النار على 5 من قوات الدرك». وأضاف: «ننفي نفياً قاطعاً استهداف الأجهزة الأمنية أي شخص بسبب فكره السياسي أو العقائدي... المطلوب فقط ضبط الخارجين عن القانون وإيداعهم القضاء». ودلل على حفظ الدولة لكرامة أبنائها، حتى من الطلوبين، بإيعاز العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني السبت بنقل المطلوب فرج الفناطسة بطائرة عامودية لتلقي العلاج في عمان، معتبراً أن كونه مطلوباً لا يعني إهدار حقه في الحياة أو المس بكرامته. ودخل الفناطسة، وهو شقيق لاثنين قتلا برصاص الأمن أثناء مطاردات خلال الأشهر الماضية، في حال حرجة إثر إصابته بمواجهات معان مساء الجمعة. وكان المئات من أبناء معان شاركوا في تظاهرة الجمعة الماضي رددوا خلالها هتافات طاولت شخصيات سيادية في البلاد. كما شهدت عمان وإربد وجرش والطفيلة فاعليات تضامنية مع معان طالبت بمحاسبة المسؤولين عن التجاوزات.