أجرى الرئيس اللبناني ميشال عون في اليوم الثاني والأخير من جولته العربية الثانية ومحطتها عمان محادثات مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، بعدما أنهى اجتماعاته في القاهرة بزيارة الى جامعة الدول العربية ومخاطبة مجلسها الذي انعقد على مستوى المندوبين. وأكدت القمة الأردنية- اللبنانية «تفعيل التعاون بين البلدين في مختلف المجالات ودعوة اللجنة العليا المشتركة الى اجتماع قريب لوضع خطة عمل بين البلدين». وقرر الملك عبدالله الثاني زيادة التعاون الأمني ورفع عدد الضباط اللبنانيين المشاركين في دورات التدريب، في حين ركز عون على ضرورة تنسيق الجهود لإيجاد حلول لأزمة النازحين السوريين وإنهاء معاناتهم. نتائج القمة وفي بيان لوكالة «بترا» ان العاهل الأردني «أكد خلال جلسة المحادثات الموسعة «عمق العلاقات التاريخية التي تجمع بين البلدين الشقيقين». واعتبر «أن الأردن يتحدث باسم لبنان كما يتحدث باسمه في المحافل الدولية، دعماً للأشقاء اللبنانيين في مواجهة التحديات»، داعياً «إلى تمتين جسور التعاون بين البلدين». واتفق الجانبان «على عقد اجتماع اللجنة العليا المشتركة الأردنية- اللبنانية بأسرع وقت، لوضع خطة عمل لتعزيز التعاون الثنائي، والتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة بين البلدين. كما اتفق على عقد منتدى استثماري أردني- لبناني، وتفعيل الخط البحري بين الموانئ اللبنانية وميناء العقبة، إضافة إلى البناء على مجالات التكامل الاقتصادي بين البلدين في القطاعات المالية والتكنولوجيا والصناعة والسياحة والزراعة». وبحث الجانبان إمكان «استخدام ميناء العقبة كمنطقة لانطلاق البضائع اللبنانية إلى الأسواق الإقليمية والعالمية، والعمل المشترك لتطوير إمكان الاستفادة من الأسواق الأفريقية. وتم بحث تعزيز التعاون الأمني، وفي مجال الدفاع المدني، وسبل تعزيز قدرات الجيش اللبناني»، وشدد العاهل الأردني «على دعم الأردن لاستقرار لبنان ووقوفه الدائم إلى جانبه». وركزت المحادثات على «الأزمة السورية، وتطورات عملية السلام في الشرق الأوسط، والحرب على الإرهاب، وجرى تأكيد ضرورة معالجة الأزمات التي تمر بها بعض دول المنطقة، وبما يضمن استعادة الاستقرار فيها، وفي ما يتعلق بالأزمة السورية، جرى تأكيد ضرورة البناء على الجهود الدولية الأخيرة ضمن اجتماعات آستانة، لتثبيت وقف إطلاق النار، تمهيداً لإيجاد حل سياسي ضمن مسار جنيف». وعن أعباء أزمة اللجوء السوري على الأردنولبنان، أكد الطرفان «ضرورة تنسيق وتوحيد المواقف حيال هذه الأزمة، لما لها من تداعيات أمنية واقتصادية واجتماعية على البلدين». وفي التصدي للإرهاب، أكدا «أهمية تكثيف الجهود إقليمياً ودولياً لمحاربته ضمن استراتيجية شمولية، كون خطره يستهدف أمن واستقرار العالم». وعن القمة العربية المقرر أن تستضيفها المملكة، شدد الطرفان «على أن وحدة الصف العربي ومأسسة العمل العربي المشترك الضمانة لتجاوز جميع التحديات التي تواجه الأمة العربية، مؤكدين ضرورة تنسيق المواقف إزاء المحاور والقضايا التي ستتناولها القمة، وبما يخدم قضايا الأمة العربية». وعبر عون، خلال المحادثات، عن «تقدير بلاده الكبير لمواقف الأردن، بقيادة الملك، تجاه لبنان، والداعمة لوحدته الوطنية وأمنه واستقراره، مؤكداً عمق العلاقات بين البلدين وأهمية تطويرها في شتى الميادين، مشيداً بالدور المهم الذي يقوم به الملك لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، والحرب على الإرهاب. وشدد عون على أن الأعباء التي يتحملها الأردنولبنان جراء استضافتهما الاجئين السوريين، تتطلب من المجتمع الدولي تنفيذ التزاماته لمساعدة البلدين، لتمكينهما من مواصلة تقديم الخدمات الإنسانية والإغاثية لهم». وأوضح المكتب الإعلامي في الرئاسة اللبنانية أن الجانبين اتفقا «على تنسيق المواقف بين البلدين خلال اجتماع المجلس الاقتصادي- الاجتماعي الذي يحضّر لاجتماعات القمة العربية بعدما تبين ان ثمة مواضيع مشتركة، قبيل انعقاد القمة في الأردن نهاية الشهر المقبل، للخروج بموقف عربي موحد يؤكد تضامناً عربياً يكون منطلقاً لرؤية واحدة لمواجهة التحديات، وفي مقدمها مقاومة الإرهاب». كما اتفقا على اتخاذ إجراءات استباقية لعدم تمكين الإرهابيين من التسلل الى كلا البلدين. وأملا بأن تجد معاناة النازحين السوريين حلولاً قريبة لها». وأشار المكتب الى أن الجانبين في الاجتماع الموسع بحثا التحديات الاقتصادية، خصوصاً بعد انقطاع الممرات البرية نتيجة الحرب السورية وضرورة إيجاد طرق بديلة، ومنها استعمال ميناء العقبة. ولفت الى ان النقاش في ملف النازحين السوريين «تشعّب حيث برزت وجهات نظر متوافقة على ان تولي القمة العربية أهمية خاصة لأوضاع النازحين وتحريك الاتصالات مع المجتمع الدولي و لاسيما الاتحاد الأوروبي للإسراع في انجاز الاتفاقات الخاصة بالمساعدات المقدمة الى هؤلاء النازحين ووجوب ان يكون التنسيق مع لبنانوالأردن أكثر فاعلية. وأعرب الجانب الأردني عن استعداده لمساعدة لبنان في الاتصالات الجارية مع الدول الأوروبية والمانحة ليكون حجم إفادة لبنان من المساعدات الدولية كبيراً، يوازي العدد الهائل من النازحين السوريين في الأراضي اللبنانية». وقال المكتب انه خلال القمة الثنائية تطرق البحث الى «تسلم إدارة اميركية جديدة واستحوذت اوضاع المسيحيين في الشرق على حيز من البحث وثمّن العاهل الأردني الدور الذي لعبه المسيحيون في المشرق عبر التاريخ، ولاسيما منهم المسيحيين اللبنانيين. ورد عون مؤكداً أن لبنان سيواصل لعب هذا الدور في اطار دعوة العقلاء في الدول العربية ودول العالم الى تغليب نهج الاعتدال ولغة الحوار وثقافة قبول الآخر واحترام معتقده». وعقدت اجتماعات وزارية بين الجانبين والتقى عون الجالية اللبنانية في الأردن. وكان العاهل الأردني في استقبال ضيفه اللبناني في مطار ماركا العسكري، حيث جرت مراسم رسمية بحضور رئيس الوزراء وزير الدفاع هاني الملقي، ورئيس مجلس الأعيان بالإنابة معروف البخيت، ورئيس المجلس النيابي عاطف الطراونة، ورئيس الديوان الملكي فايز الطراونة وأركان الدولة، ووزراء ومسؤولين مدنيين وعسكريين، والسفراء العرب لدى المملكة. وقاد الملك عبدالله الثاني سيارته بنفسه وجلس الى يمينه الرئيس عون وجال به في أرجاء العاصمة الأردنية. وعقد لقاء القمة في قصر بسمان وبدأ ثنائياً ثم تحول الى محادثات موسعة، اعقبته مأدبة غداء أقامها العاهل الأردني على شرف ضيفه والوفد المرافق، وحضرها كبار المسؤولين الأردنيين واستكملت خلالها المحادثات. جلسة الجامعة العربية وكان عون اعتبر في كلمة ألقاها أمام مجلس جامعة الدول العربية الذي انعقد على مستوى السفراء المندوبين «أن العالم يعيش مجدداً حرباً عالمية ثالثة، ولكن مجزأة، محركها الإرهاب الذي يتلطّى بالدين، وكل دين منه براء ولا يبغي سوى تدمير إرثنا الحضاري وإنسانيتنا، من خلال حروب طاوت معظم أوطاننا وعاثت فيها خراباً وتدميراً للبشر والحجر، وأصابت شظاياها جامعتنا العربية». ووصف الظروف الذي يعيشها العالم ب «مفصلية ودقيقة وتشبه بأخطارها ومآسيها ونذير نتائجها الحرب العالمية الثانية وتداعياتها المدمّرة التي لم يسلم منها شعب. آنذاك، بادر المسؤولون العرب، وتداعوا لإنشاء مؤسسة تجمعهم وتدافع عن قضاياهم، وكان للبنان دور محوري في ذلك، وتأسست جامعتنا هذه، ووضعوا لها ميثاقاً لو تمّ احترامه لكانت أمّتنا العربية تجنّبت الكثير من الويلات والحروب العبثية». ورأى أن «الفكر الصهيوني نجح في تحويل الحرب الصهيونية- العربية إلى حرب عربية- عربية تقوم على صراع دموي طائفي لا بل مذهبي بين أبناء الوطن الواحد، ما يبرر لإسرائيل تهويد فلسطين وتحويل من تبقّى من الفلسطينيين فيها إلى سكّان يستأجرون الأرض بدل أن يكونوا مواطنين يملكونها. وهذا وحده دافع كافٍ لوقف حمّام الدمّ وتغليب لغة العقل وتصويب البوصلة وتوحيد جهودنا للمحافظة على معالم القدس التي تجمع التراثين المسيحي والإسلامي وأهم معالمهما، فهل يمكن أن نتخيل القدس من دون المسجد الأقصى ومن دون كنيسة القيامة؟». ولفت الى أن لبنان «استعاد عافيته، وجاهز لأداء دوره وبذل مساهمته، ضمن العائلة العربية الكبرى، لتحقيق هذه التطلعات التي نصبو إليها جميعاً، وحاضر للإسهام في كل مشروع نهضوي يؤمّن فرصة للتغيير والبناء، على مبادئ ورؤى، تدفع بمجتمعاتنا وشعوبنا إلى رحاب الاستقرار والتقدّم». ووزع المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري فقرات من كلمة عون يبدو أنها سقطت سهواً اثناء تلاوته لها وفيها أننا «بأمسّ الحاجة الى أن تستعيد الجامعة دورها، ولأن تبادر من جديد، فلا تُفرض الحلول علينا، نحن بأمسّ الحاجة لنلتقي جميعاً حول ميثاقها. فتسليمنا به، وتطبيقه الفعلي هما السبيل الوحيد لوقف التدمير الذاتي والعودة إلى البناء». ونبه الى أن «التحديات التي تواجهنا كبيرة، ومستقبل شعوبنا ودولنا، متوقف خلال العقود المقبلة، على مدى نجاحنا في مجابهة هذه التحديات. نجاح مرتكزه الأساس رؤية مستقبلية تحمل تغييراً جوهرياً في مجتمعاتنا، فحروبنا المشتعلة اليوم منطلقة من ماضٍ وحاضر تداخلا معاً، حيث لم يعد الإصلاح بالترميم ممكناً، بل صارت الحاجة ملحّة إلى إعادة نظر وتجديد في بنية مجتمعنا. والبداية تكون في احترام التنوع واعتباره مصدراً للغنى لا للتباعد والتفرقة، واحترام الخصوصية ضمن الوحدة. ما يعني تغليب قوى التنوّر والاعتدال على مساحة عالمنا العربي، في وجه التيارات، الجانحة نحو التطرف، مع ما يتطلب ذلك من وعي وعمل تربوي واستشراف تنموي هادف». أبو الغيط والانقسامات العربية وكان الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط أشاد في كلمته بتمتع لبنان «بحال من التوافق السياسي والسلم الأهلي، ما يعد علامة فارقة على طريق استقرار وازدهار لبنان، هذا البلد العزيز علينا جميعاً». وقال: «إن صيانة استقراره وسط الاضطرابات التي يمر بها المشرق العربي غاية ننشدها ونعمل لها ونسعى اليها، مع إدراكنا الكامل للصعوبات التي يتحملها لبنان من أجل الحفاظ على هذا الاستقرار وتعزيزه، بل وما يتحمله من أعباء اضافية بسبب الحرب الأهلية السورية التي دفعت بالملايين الى النزوح من منازلهم، وهو واجب قومي وعروبي يستحق عليه الشعب والحكومة اللبنانية كل الاشادة والتقدير والدعم». وتحدث عن مشاهداته عندما زار لبنان قبل اسابيع في إحدى المدارس اللبنانية التي «تعلم أبناء لبنان صباحاً وبعد الظهر يستضيفون مئات من الأطفال والأولاد السوريين والعراقيين لكي يتولوا تعليمهم». وقال إنه كتب الى «العديد من المؤسسات الدولية والدول المانحة لزيادة دعمها للدولة اللبنانية». وسبقت الجلسة خلوة بين أبو الغيط وعون انضم اليها في ما بعد أعضاء الوفد اللبناني الرسمي المرافق. ولفت المسؤول العربي الى أن «الخلل الذي تتعرض له الجامعة مرده الانقسامات العربية التي حالت دون تمكين الدول العربية من معالجة القضايا الطارئة، ما أدى الى وضع الدول الكبرى يدها عليها (القضايا) سواء مباشرة او من خلال مجلس الأمن». وتحدث أبو الغيط عن «صعوبات تواجه الجامعة لا سيما أن موازنتها مع تلك الخاصة باللجان المتخصصة لا تتجاوز مئة مليون دولار»، مشدداً على ضرورة «استمرار مكاتب الجامعة في الدول الأعضاء بالعمل». وأيده في ذلك عون الذي قال: «إن لبنان يريد استمرار هذه المكاتب في الخارج»، أملاً «في أن تعود الوحدة الى دول الجامعة لتكون لها فاعليتها من جديد». ودوّن عون في سجل الشرف انه يزور مقر الجامعة «والأمة العربية تمرّ بأوقات صعبة وقاسية. ولكن، يحدوني الأمل بأن تنتهي الأزمة قريباً بجهود المبادرين الى إيجاد الحلول، فنجد الجامعة في زيارتنا المقبلة وقد استعادت دورها، وعادت من جديد «جامعةً» للعرب». سلاح «حزب الله» وكان عون وفي حديث ل «قناة النيل» الإخبارية قال عن مستقبل سلاح «حزب الله»: «إن هذه المسألة تخضع الى الاستراتيجية الدفاعية التي كنا نحاول أن نضعها وسبقتنا الأحداث. فلبنان، نسبة الى محيطه من ناحيتي الطاقة البشرية والاقتصادية غير قادر على بناء قوة عسكرية قادرة على المواجهة مع العدو، لذلك عليه أن يستعمل طرقاً خاصة للقتال تشترك فيها القوى النظامية والشعبية، وهذه هي الفكرة التي يمكن ترجمتها بخطة واقعية». وشدد على الحاجة الى «حل للمعضلة السورية وأن يعود السلام إليها فنستطيع أن نبدأ بإيجاد حلول لأزمة النازحين السوريين الذين يشكلون عبئاً ثقيلاً جداً على لبنانوالأردن في شكل خاص. وهذه المسألة لا يمكن أن تحل داخلياً فقط من طرف واحد، فهناك طرفان الحكومة اللبنانية والحكومة السورية. ومن الضروري أن تكون هناك لجان مشتركة تبدأ البحث في حل، حيث هناك مناطق مستقرة في سورية يمكن العودة اليها». وكرر القول لقناة «ONTV» المصرية: «إن حزب الله حارب في الجنوب لتحرير أراضينا المحتلة من إسرائيل وتحرر قسم منها وبقي قسم آخر محتل، أما في الداخل فهو لا يتعاطى بواسطة سلاحه، وتتم معالجة موضوع سلاحه ضمن التخطيط لاستراتيجية دفاعية للبنان قد يكون هذا السلاح من ضمنها أو لا يكون في ضوء ما تكون الحاجة اليه».