كان هناك رجل مولع بالخيل، على رغم أنه لم يكن خيالاً! ومع ذلك قرر أن يشتري بعض الخيل ليدرب عليها بعض أبنائه، لعل وعسى أن يخرج من بينهم فارس أو أكثر يستطيع أن يخوض بهم غمار سباقات الفروسية المحلية أو حتى العالمية! وبالفعل، اشترى عدداً من الخيول وقام بتدريب أولاده عليها، وذلك عن طريق ربط الخيول بحبال طويلة، تمكّنه من التحكم بزمامها خوفاً منه على أبنائه من أن يسقطوا عن ظهورها، بل وقام هذا الأب، بالاستعانة ببعض من أصدقائه لتدريب أبنائه بطريقة الحبال الطويلة تلك. ومع مرور الوقت أصبح الأولاد يعرفون كيف يتحكمون بخيولهم من دون هذه الحبال، ولكن والدهم كان مصرّاً على استخدامها، لدرجة أن أبناءه غسلوا دماغياً بأنهم لن يستطيعوا ركوب خيولهم والركض بها من دون هذه الحبال التي يمسك بها أبوهم وأصحابه! وكان هؤلاء الإخوة خلال تلك الفترة يخوضون سباقات في ما بينهم فقط، وهم تحت سطوة هذه الحبال، التي كانت تدمر معنوياتهم وثقتهم بأنفسهم! ولكنهم وبعد سنوات فوجئوا ذات يوم بأبيهم وأصحابه يأتون وقد بدا عليهم كبر السن وخط في رؤوسهم الشيب، وقال لهم أبوهم: «أعتقد أنكم يا أبنائي قد وصلتم للسن التي يمكنكم بها الاعتماد على أنفسكم بشكل كامل، وسأسمح لكم بخوض غمار البطولات الخارجية مع الاسطبلات الأخرى، وأتوقع منكم أن تعودوا لي بجوائز هذه المسابقات!». فرح الأبناء فرحاً شديداً وشمروا عن سواعدهم بكل حماسة لخوض غمار البطولات بكل قوة، وذلك بالاعتماد على أنفسهم من النواحي كافة، لاسيما النواحي المالية وغيرها من مسؤوليات، وعندما تجهزوا لأول هذه السباقات، وسجلوا أسماءهم ومعلومات خيولهم لدى لجنة السباق، وأدخلوا خيولهم في صف الخيول المتسابقة، فوجئوا بوالدهم وأصحابه يأتون قادمين باتجاههم ممسكين بلفات حبالهم آنفة الذكر، وقام كل واحدٍ منهم بربط طرف حبله في عنان أحد خيول الأبناء، فدُهش الأبناء، وسأل الأكبر أباه قائلاً: «ماذا تفعلون يا أبي؟! فالسباق على وشك الانطلاق! وأنتم تربطون خيولنا بحبالكم؟! ألم نتفق على أن نعتمد على أنفسنا ونعود لك بالجوائز والإنجازات؟!». رد عليه والده قائلاً: «ويحك! كيف تتحدث معي بهذه الطريقة الوقحة! أنت ابني والخيل خيلي، وأنا تركتكم لتخوضوا المسابقات على طريقتكم، ولكن تحت تصرفي وتحكمي المطلق!». ردّ ابن آخر على والده، قائلاً: «يا أبي! ولكننا صرفنا على الخيول وعلى التدريبات من مصروفنا المحدود جداً، بل وقمنا باستلاف كثير من الأموال وحرمنا أنفسنا من أمور كثيرة، لنصل لهذا المستوى من التجهيز، فليس من العدل ولا المنطق أن تعود لتتحكم بخيولنا وبنا بهذه الطريقة، بل وأن تستمر بمطالبتنا بإحراز الإنجازات!». ردّ عليه أبوه كما رد على أخيه من قبل. وانطلق السباق فجأة خلال حديثهم، وخيل هؤلاء الأشقاء واقفة، إذ أعاقتها الحبال الطويلة، وواصل المتسابقون الآخرون من الفرسان المنافسين إنجازاتهم، وتركوا هؤلاء الإخوة يتشاجرون مع أبوهم وأصحابه «الشياب» حتى إشعار آخر! ألا تذكركم حال هؤلاء الإخوة وأبيهم وأصحابه، بحال أندية الممتاز في إحدى الدول العربية، عندما كانت كرة القدم عندهم هواية جميلة، ومصاريفهم ومقار أنديتهم وقراراتهم الاستثمارية تكفلها وتحكمها الدولة، وفجأة وبقدرة قادر، قيل لهم إنهم دخلوا عصر الاحتراف وإنهم محترفون ويجب أن يعتمدوا على أنفسهم ويتدبروا أمورهم من الآن فصاعداً، ولكن، ظلت مقارهم وقراراتهم الاستراتيجية ملكاً مطلقاً للدولة! وا أسفاه على الوقت الذي أضاعوه، ووا أسفاه على من كان منافسوه خلفه بأميال، وأصبحوا أمامه بأميال! www.almisehal.net