حوّلت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحذيراتها طهران إلى أفعال أمس، إذ شدّدت عقوبات تستهدف برنامجها الصاروخي، بعد أيام على اختبارها صاروخاً باليستياً، وحرصت في الوقت ذاته على تجنّب انتهاك الاتفاق النووي المُبرم بين إيران والدول الست. ووضع مسؤولون أميركيون الأمر في إطار «تصعيد أولي رداً على سلوك استفزازي» لطهران و «زعزعتها الاستقرار الإقليمي»، لافتين إلى «مراجعة استراتيجيتنا بالكامل حول إيران» التي باتت أمام خيارين، التراجع عن انتهاك التزاماتها الدولية أو دفع «ثمن للتحريض». وشدد المسؤولون على رفض تصرفات تشكل تهديداً لحركة الملاحة الدولية. (راجع ص7) وتزامن تشدد واشنطن في هذا الملف مع رفع حدة لهجتها في التعامل مع ملفات جوهرية في السياسة الخارجية، إذ دانت «عدوانية روسيا» في شرق أوكرانيا، مشترطةً لإلغاء عقوبات على موسكو، أن تعيد الأخيرة شبه جزيرة القرم إلى كييف، كما حذر وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس كوريا الشمالية من ردّ «حاسم وساحق» على أي هجوم نووي تشنه. وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على 13 فرداً و12 كياناً يُشتبه في تقديمهم دعماً لوجستياً للبرنامج الصاروخي الإيراني، وجمّدت أصول أفراد وكيانات من إيران والصين ودولة الإمارات ولبنان، وحظّرت إجراءهم صفقات في الولاياتالمتحدة أو مع أميركيين. وأكد مسؤولون أميركيون أن إدارة ترامب لن تتساهل مع الانتهاكات الإيرانية. وأشارت الخارجية الأميركية إلى أن العقوبات «جزء من جهود مستمرة لمواجهة نشاط إيراني خبيث يقع خارج نطاق الاتفاق النووي»، معتبرة أنها أظهرت التزام الولاياتالمتحدة استخدام هذه الإجراءات رداً على البرنامج الصاروخي لإيران «ونشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة». واستدركت أن العقوبات «متسقة تماماً» مع التزامات الولاياتالمتحدة وفقاً للاتفاق النووي. وقال جون سميث، مدير مكتب مراقبة الأموال الخارجية في وزارة الخزانة، إن «دعم إيران المستمر للإرهاب وتطوير برنامجها للصواريخ الباليستية يطرحان تهديداً للمنطقة ولشركائنا في العالم وللولايات المتحدة. سنواصل العمل بنشاط لتطبيق كل الأدوات المتاحة، بما في ذلك العقوبات المالية، للتصدي لهذا السلوك». وغرد ترامب على «تويتر» قائلاً إن طهران «تلعب بالنار»، وأضاف أن الإيرانيين «لا يقدّرون كم كان الرئيس أوباما لطيفاً معهم. (ولكن) ليس أنا!» وأكد أن كل الخيارات «مطروحة على الطاولة». وفي مؤتمر صحافي في واشنطن شاركت فيه «الحياة»، حدد مسؤولون أميركيون الخطوات الجديدة ضمن «تصعيد أولي رداً على سلوك استفزازي لإيران». وقال مسؤول بارز في الإدارة إن لدى طهران «خيارَ إما احترام التزاماتها الدولية، وهذا ما سنردّ عليه إيجاباً، أو سيكون هناك ثمن للتحريض ولزعزعة الاستقرار الإقليمي». وقال مسؤول آخر إن الاختبار الباليستي كان «الدافع الأساسي وراء العقوبات»، مستدركاً: «نراجع استراتيجيتنا بالكامل حول إيران، ولن نقبل تصرفات تهدد حركة الملاحة الدولية» في الخليج، مشيراً إلى تأثير إيران على الحوثيين ومسؤوليتها عن تسليحهم وتدريبهم، مبرراً العقوبات باستهدافهم سفناً إماراتية وسعودية. ولفت المسؤولون إلى أن العقوبات الجديدة لن تؤثر في صفقة «بوينغ» مع طهران. في المقابل، أكد وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف أن بلاده «لا تعبأ بالتهديدات». وكتب على «تويتر»: «لن نبادر إلى حرب، لكن يمكننا دوماً الاعتماد على وسائلنا في الدفاع. لن نستخدم أسلحتنا ضد أحد أبداً، إلا للدفاع عن النفس. دعونا نرى هل في إمكان من يشتكون (من إيران) أن يقولوا الكلام ذاته». ورأى رجل الدين المتشدد أحمد خاتمي أن التجربة الصاروخية الأخيرة «تعبّر عن اقتدار» إيران. وأضاف في خطبة الجمعة: «نعيش في عالم مليء بالذئاب، مثل أميركا الاستكبارية، وهيهات أن نترك السلاح وأن ندع أميركا تتمادى في أخطائها». وأبلغ مصدر إيراني بارز «الحياة»، أن العقوبات الأميركية الجديدة لا تنسجم مع روح المفاوضات التي أجرتها طهران مع الإدارة الأميركية السابقة، وتعهدت فيها الامتناع عن تشديد العقوبات. واعتبر أن «عصا العقوبات» ثبت عدم جدواها في معاقبة آخرين على «ذرائع واهية». وتابع أن طهران لم تعلن عن الاختبار الصاروخي لأنها لا تريد منح ترامب ذريعة، إذ يبحث عن «كبش فداء»، مؤكداً أن الصاروخ ليس باليستياً، بل متوسط المدي ولا يستطيع حمل رأس نووي. في نيويورك، أعرب وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل عن تفهمه فرض الولاياتالمتحدة عقوبات على إيران، معتبراً أن تجربتها الصاروخية انتهكت قرارات مجلس الأمن. لكنه حذر من الخلط بين التجربة وبين الاتفاق النووي، معتبراً أن «لا تأثير لها في الاتفاق، ونواصل دعم تنفيذه، والولاياتالمتحدة لا تعتزم التشكيك فيه الآن».