صعدت «الشيلات» بشكل صاروخي خلال العقد الأخير، مزاحمة الأغنية عن عرشها لدى كثير من السعوديين، الذين اعتبروها نوعاً من «الغناء المباح»، حتى إن جماعات إرهابية استغلت جماهيريتها «الكاسحة» وركبت موجتها لجذب الشبان إليها. و«الشيلة» فن شعبي قديم، قريبة مما كان معروفاً بين العرب ب«الحداء» أو التغني بالشعر، وتعد مزيجاً من اللون النجدي والهجيني والسامري وغيرها، يراها البعض فناً هجيناً يشبه الإنشاد مخلوطاً بالغناء واللحن، ويتطرق إلى المدح والفخر والغزل، وهو ما يتناسب مع أهداف الشعر لدى المنظومة الاجتماعية القبلية. واهتم الشعراء خلال السنوات الأخيرة بنشر قصائدهم بطريقة «الشيلة»، وهو ما لم يكن شائعاً من قبل، لأن بعض المستمعين أصبحوا يهتمون في اللحن وليس القصيدة أو جودتها، لذلك برز شعراء كُثر بسبب قصيدة واحدة تحولت إلى «شيلة»، وهو ما اتجهت إليه قنوات تلفزيونية شعبية، وتحول هذا الفن إلى وسيلة ناجحة في نشر القصائد، حتى بين الطبقات المصنفة «محافظة». وعلى رغم استقطاب هذا الفن جمهوراً كبيراً من الصغار والكبار، ويتنافس عليه المنشدون والشعراء، إلا أنها تلقت انتقادات من شعراء وإعلاميين رأوا فيها «إذكاء للنعرات القبلية والطائفية»، فيما اعتبرها آخرون «إسهاماً في انتشار الشعر النبطي». ووجد فيها البعض وسيلة لإيصال قصائدهم إلى المتلقي، كونها «فناً مجازاً شرعاً» لا يعتمد على الموسيقى، حتى وإن شهدت محاولات لذلك، لكنها جذبت غالبية محبي الشعر إليها، حتى مع بعض عباراتها التي توسم ب«العنصرية»، وما نتج منها من حوادث جعل البعض يرفض تصنيفها فناً. ودفع سعوديون أرواحهم بسبب التعصب إلى «الشيلات»، إذ شهد (آب) أغسطس الماضي وفاة مواطن وإصابة ابنه خلال حفلة زفاف أقيمت في محافظة خميس مشيط بمنطقة عسير، بسبب خلاف نشب على رفع وخفض صوت «شيلة». وحاول البعض إدخال الموسيقى والمؤثرات الصوتية على «الشيلات» لتحويلها إلى أغانٍ، فصدرت فتاوى بعدم جواز سماعها. وقال الأستاذ في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور سعد الخثلان في فتوى أصدرها أخيراً: «لا يجوز الاستماع إلى الشيلات والآهات إذا كان فيها موسيقى أو دف»، لكنه رأى «جوازها من دون موسيقى، وأيضاً لا يجوز الدف في غير الأعراس والأعياد». ووظفت جماعات إرهابية «الشيلة» لتجنيد الأنصار، وتحديداً تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي أصدر عام 2014 «شيلة» بعنوان: «يا عاصب الرأس وينك»، ما استفز شباناً ردوا عليها ب«شيلات» مماثلة في الوزن والقافية، ترفض فكر «داعش» وأفعاله الإجرامية، محذرة الشبان من الوقوع في شراكه. وأثارت إشاعة تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي العام الماضي عن منع غناء «الشيلات» رسمياً في المملكة موجة استنكار، ولم يفلح النفي الرسمي الصادر عن وزارة الثقافة والإعلام في تهدئة النقاش المحتدم في شأنها، ما بين مؤيد لمنعها، لما فيها من «إثارة روح القبلية»، ومعارض يرى فيها «فناً جميلاً وبمنعها ستقطع أرزاقاً».