اعتبر رئيس المجلس الأعلى للحسابات في المغرب رئيس الحكومة السابق إدريس جطو، أن الإصلاحات التي نفذتها الحكومة (المنتهية ولايتها) لمعالجة العجز المالي في الصندوق المغربي للتقاعد، «يبقى تأثيرها محدوداً على المدى المتوسط، لأنها ستؤجل الأزمة ست سنوات إضافية وستقلص مديونية الصندوق نحو 57 في المئة على المدى الطويل، لكن لن تعالج كل الاختلال المرتبط بمستقبل نظام المعاشات الذي يحتاج إلى إصلاح عميق، في إطار حوار موسع مع جميع الأطراف المعنيين». وقال جطو أمام لجنة مشتركة في مجلس المستشارين الغرفة الثانية في البرلمان، إن «العجز المالي التقني في الصندوق المغربي للتقاعد سيقدر بين 4 بلايين درهم سنوياً و5 بلايين على مدى الأعوام المقبلة». ولم يستبعد أن «تزيد حدة العجز التقني مطلع العقد المقبل، ليبلغ 11 بليون درهم عام 2024، وربما يصل إلى 21 بليوناً (نحو بليوني دولار سنوياً الفارق بين الإيرادات والنفقات) في أفق 2028». ويُقدر عدد المساهمين حالياً في الصندوق المغربي للتقاعد بنحو 655 ألف من العاملين في الإدارات العامة، يمولون معاشات 377 ألفاً من المتقاعدين ما يجعل التغطية المالية لا تتجاوز 77 في المئة. إذ بلغت الموارد 16 بليون درهم والمعاشات 21 بليوناً العام الماضي. وتوقع المجلس الأعلى للحسابات أن «ترتفع نفقات الصندوق تدريجاً، ما سيقلص الاحتياط النقدي من 81 بليون درهم هذه السنة إلى 77 بليوناً عام 2020، ويتواصل الانحدار إلى 67 بليوناً عام 2022، ثم 41 بليوناً فقط عام 2025». في حين سيكون على الصندوق «دفع معاشات تقدر ب38 بليون درهم، ولن يحصل سوى على مساهمات تبلغ نحو 24 بليون درهم عام 2028»، وفقاً للدراسة. ويمكن إدراج العنصر الديموغرافي وضعف التوظيف الاستثماري لموارد الصندوق والتدبير المالي والحوكمة، ضمن الأسباب المباشرة لأزمة صندوق التقاعد المغربي الذي يمنح متوسط معاش يقدر ب8960 درهم (نحو 900 دولار شهرياً) وهو من بين الأعلى في شمال أفريقيا والشرق الأوسط باستثناء دول الخليج، في وقت تزايد الفارق بين المساهمات وقيمة المعاشات. وكشف المجلس الأعلى للحسابات (هيئة رقابية مستقلة عن الحكومة)، أن عدد المتقاعدين «ارتفع من 155 ألفاً عام 2004 إلى 272 ألفاً في 2013، ثم إلى 337 ألفاً عام 2016، وربما يبلغ نحو نصف مليون في أفق 2030». وفي المقابل، انخفض عدد الموظفين من 12 شخصاً لكل متقاعد عام 1986 إلى 6 عام 2000، وتدنى المعدل إلى 2.2 شخص لكل متقاعد عام 2016. وسيكون على الجيل المقبل تسديد معاش كل متقاعد من عمل 1.5 شخص فقط عام 2024. وبعدما كان الصندوق يسجل فائضاً في السنوات السابقة، كان يصل إلى 196 في المئة مطلع العقد الماضي، أدى تطور نسبة تغطية الخدمات إلى ظهور عجز بلغ 24 في المئة خلال العام الحالي، بسبب زيادة قيمة المعاشات وعدد المتقاعدين وتطور أمل الحياة بنحو 21 سنة في المتوسط. وكانت قيمة خدمات الصندوق تقدر ب 2.7 بليون درهم عام 2001، في مقابل 6.2 بليون درهم مساهمات. وانقلب الوضع وأصبحت الخدمات تساوي 21 بليون درهم ولا تتجاوز المساهمات (الإيرادات) 16.4 بليون درهم عام 2016. ويمثل ضعف الوظائف في القطاع العام، إحدى الصعوبات التي تحول دون تطور إيرادات الصندوق المغربي للتقاعد الذي يحقق عائداته، من اشتراكات العاملين ومساهمة الدولة والتوظيف الاستثماري. وظلت الحكومات المتعاقبة في المغرب تتجنب زيادة عدد العاملين في الوظائف بضغط مباشر من صندوق النقد الدولي، الذي يحرص على عدم تخطي كتلة الأجور معدل 11 في المئة من الناتج الإجمالي. وكان من نتائج هذه السياسة المتواصلة تزايد أعداد العاطلين من العمل فوق مليون شاب وشابة، 40 في المئة منهم حاصل على شهادات جامعية ومؤهلات عليا. وتمثل هذه المشكلة من وجهة نظر البنك الدولي أخطاراً اجتماعية على المدى المتوسط، وتحدياً أكبر من العجز المالي لصناديق التقاعد التي تملك احتياطاً إجمالياً يُقدر ب210 بلايين درهم. ضعف العائد في البورصة وكشف المجلس الأعلى للحسابات أيضاً، أن ضعف العائد على الاستثمار لم يساعد في تطور الاحتياط المالي، إذ أدى تدهور مؤشر سوق البورصة في الفترة التي رافقت الربيع العربي، إلى تسجيل أثر سلبي على مردودية الصندوق الذي يستثمر في بورصة الدار البيضاء جزءاً من فوائضه المالية. وخسر نظام المعاشات 11 في المئة عام 2011 و13 في المئة في 2012. وقال جطو إن «من شأن عودة الانتعاش إلى البورصة تعويض الخسائر السابقة، إذ زادت الأرباح 30 في المئة العام الماضي، و10 في المئة في الأسابيع الأولى من العام الحالي». ولفت إلى أن موارد صناديق التقاعد «تساهم في تمويل جزء من حاجات الاقتصاد المغربي والمديونية الداخلية، وتنشيط أسواق المال، وهي تملك 30 في المئة في الأسهم المدرجة في بورصة الدار البيضاء وهيئات التوظيف الجماعي للقيَم، و15 في المئة في المديونية الداخلية وأصول الخزينة». وينص القانون على استثمار 50 في المئة من موارد صندوق التقاعد في أصول الدولة او تلك التي تتمتع بضمانة منها، ما يعني أن كل أزمة في صناديق التقاعد تنعكس مباشرة على حسابات الخزينة والأصول والسندات المدرجة في البورصة. واعتبرت نقابات عمالية أن من شأن معالجة «مشكلة بطالة الشباب وتسديد الدولة مستحقاتها ومحاسبة المسؤولين عن التجاوزات السابقة، وإقرار نوع من التضامن بين الأجور الكبيرة والضعيفة، المساعدة على تجاوز مشكلة صناديق التقاعد التي تهم نحو مليون أسرة». يُذكر أن مجلس المستشارين الغرفة الثانية في البرلمان، يجري تحقيقاً حول اختلال الصندوق المغربي للتقاعد، في إطار لجنة خاصة لتقصي الحقائق ينص عليها الدستور، ويستمع إلى شهادات مسؤولين منهم رئيس الحكومة. وكان إصلاح نظام التقاعد الذي دخل حيز التنفيذ في تشرين الماضي، لقي معارضة شديدة من النقابات وأحزاب المعارضة والعاملين، لأنه رفع سن الإحالة على التقاعد إلى 63 سنة وقلّص قيمة احتساب المعاش ولم يحاسب المسؤولين عن الأزمة.