من وجهة نظر المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة، تمثّل «بيتكوين» عملة افتراضيّة تستند إلى قوة تشفيرها،لأن الحواسيب التي تديرها تعمل على تشفير معاملات عبر معادلات رياضيّة معقّدة، يفترض أنها تضمن أمنها وتحميها وتساهم في إعطائها موثوقيّة في التداولات الماليّة. وبرز مثل عن ذلك في عام 2014، عندما استطاعت الحواسيب الخارقة ل «بيتكوين» أن تصد هجمة إلكترونيّة عاتية تمثّلت في 150 ألف ضربة رقمية في الثانية! بقول آخر، ال «بيتكوين» هي عملة تساوي قوّة معادلاتها المشفّرة رقميّاً. ثمة أوقات بلغت فيها «بيتكوين» مستويات مماثلة لما لامسته في 2017. ويعني ذلك تقنيّاً أنّ ارتفاعها لا يشكّل مناسبة للاحتفال! وعلى رغم ذلك، ينبغي الإقرار بأنّ السنة الجديدة أتت بالخير للعملة. ففي 2 كانون الثاني (يناير) بلغت العملة المشفرة أعلى مستوياتها في ثلاث سنوات، ووصلت قيمتها إلى 1033 دولاراً. لكنّ ذلك لا يهم. ومن وجهة نظر تقنيّة محضة، لا يعني ذلك سوى شيء واحد: التشديد على بعض الثغرات التقنيّة في آليات تلك العملة. ويترجم ذلك عمليّاً بمزيد من الجهد في صوغ معادلات الرياضيّات التشفيريّة التي تحمي العملة الرقميّة (سواء من جهات الرقابة الماليّة العالميّة أو من هجمات ال «هاكرز») من جهة، مع ضرورة ألا يكون ذلك عائقاً أمام التدفّق السيّال للمعاملات الماليّة. ولحد الآن، نجح المشرفون على حواسيب ال »بيتكوين» في صوغ ذلك التوازن التقني الحسّاس ما ضمن وصول القيمة الإجماليّة للمبالغ التي تستعمل «بيتكوين» إلى 16 بليون دولار. وربما بدا الرقم كبيراً، لكنّه ليس كذلك! ووفق صحيفة «فاينانشل تايمز» اللندنيّة: «توخيّاً لرسم صورة السياق العام الذي ارتفعت فيه قيمة «بيتكوين»، يكفي الإشارة إلى أن وكالة الاستخبارات المركزيّة (سي آي إيه») قدّرت المخزون النقدي العالمي العام، بما فيه من أوراق مالية وقطع نقدية وشتى أنواع الحسابات المصرفيّة، بقرابة 82 تريليون دولار في نهاية عام 2014. وتشير أرقام الوكالة إلى أن مجموع قيمة وحدات «بيتكوين» لا يزيد عن المبلغ الإجمالي لعملة «سوم» المستخدمة في أوزبكستان! وبالمقارنة بقيمة الاقتصاد العالمي وبلايين الأشخاص المتعاملين بالعملات المختلفة فيه، لا تكون قيمة ال «بيتكوين» وجمهورها إلا أعلى قليلاً من... الصفر»! سيف ذو حدّين بمعنى آخر، لن تترك «بيتكوين» انطباعاً كبيراً على النطاق الاقتصادي الشامل، حتّى لو تخطّت قيمتها الألف دولار. في المقابل، يمكن القول أيضاً إن ارتفاع سعرها ربما يؤشّر أيضاً إلى بعضٍ من مشاكلها. إذ يلفت موقع «ذي رجيستر» The Register الشهير إلى أن ارتفاع «بيتكوين» أخيراً ربما يُعزى إلى سحب أوراق نقدية عالية القيمة من التداول في الهند وفنزويلا، وأهم من ذلك هو التراجع المستدام لقيمة اليوان الصيني. وسبق أن أوردت «نيويورك تايمز» السنة الماضية أن مجموعة صغيرة من الشركات الصينيّة أحكمت سيطرتها فعلياً على «بيتكوين». ومع هبوط قيمة العملة المحلية في بلاد «العم ماو»، ارتفع الطلب على العملة الرقميّة، ما حث قيمتها على الارتفاع. في المقابل، هناك طابع مركزي طاغٍ في تلك العملة بمعنى حصريّة الجهة التي «تصدرها»، وهي مجموعة من الحواسيب الخارقة التي تطاولها يد الصين. وربما نفّر ذلك مجاميع من مستخدمي تلك العملة خارج سور الصين العظيم! وكذلك ربما بدا الطابع التقني المعقّد لتلك العملة غير مستساغ لدى جمهور واسع. الأرجح أن تلك العملة تحتاج التغيير. إذا كانت تسعى للنمو وفق ما ذهبت إليه تحليلات صحيفة «فاينانشل تايمز»، يكون من الضروري أن تخضع لإعادة تصميم لتقنيّاتها بصورة جذريّة. وفي الوقت الراهن، لا يمكن أن تتحمّل «بيتكوين» أكثر من 7 صفقات في الثانية، وهو عدد صغير جداً بالمقارنة بآلاف الصفقات التي تستطيع مثلاً أن تتحمّلها بطاقات «فيزا». ويرى الباحثون أنّه يمكن تمديد قدرتها على الاستيعاب إلى 27 صفقة في الثانية من دون الإقدام على إعادة هيكلة شاملة، ولكن ذلك العدد يبقى صغيراً. من ناحية مبدئية، تستطيع الشركات الصينية المهتمّة بال «بيتكوين» أن تنسّق جهودها للوصول إلى حلّ للثغرات التقنيّة التي تحول دون تداول العملة من قِبَل أعداد كبيرة من الناس. وربما ارتبط مصيرها أيضاً بالطريقة التي ينظر فيها عالميّاً إلى الصين التي تهيمن على آليات ال «بيتكوين»، وهو أمر يفوق في أهميته خبراً كتخطي «بيتكوين» عتبة الألف دولار!