هو أستاذ مهمته تعليم الطلاب ليكونوا مواطنين مسؤولين. إبنه الصغير يبلغ من العمر 12 عاماً، ويلقى اهتماماً خاصاً في البيت ليصبح بدوره مواطناً مسؤولاً. ولذلك، كلما سنحت الفرصة، يسمح له الوالد بالجلوس خلف مقود السيارة ليعلمه أصول القيادة. صحيح أن القانون المصري يحدد السن الأدنى لاستخراج رخصة قيادة ب 18 عاماً، وصحيح أن ذلك قد يعرض المارة وبقية السيارات للخطر، وأن مجرد قيادته للسيارة يعتبر خرقاً للقانون، إلا أن الأستاذ لا يرى في الأمر سوى تأهيل للصغير ليكون شاباً مسؤولاً ومتمكناً وواثقاً بنفسه. لسبب ما غير واضح، يتعامل كثيرون من المصريين مع مسألة قيادة السيارات وكأنها تحصيل حاصل، أو باعتبارها أشبه بالاستيقاظ من النوم صباحاً والخلود له ليلاً. الأرقام تشير إلى أنه بين 6500 و8 آلاف شخص بحسب الإحصاءات الرسمية يلقون حتفهم سنوياً على الطريق، وأكثر من نصفهم من الشباب. وعلى رغم إصدار دول عدة تحذيرات لمواطنيها في شأن حوادث الطرق في مصر، تظل المسألة بعيدة من اهتمام الحكومة المسؤولة عن حالة الطرق وتطبيق قوانين السير، والمواطنين المتسببين في الحوادث لأسباب بشرية وضحاياها في الوقت نفسه. الطريق الدائري الذي تم إنشاؤه في مصر قبل سنوات قليلة ليربط محافظات القاهرة الكبرى بعضها ببعض على أمل تخفيف حدة الزحام تحول بقدرة قادر إلى «طريق للموت». فلا يكاد يمر يوم من دون وقوع حادث مروع عليه بسب السرعة الزائدة المصحوبة بشبه انعدام تام لتطبيق القانون، سواء بالنسبة إلى الالتزام بالسرعات المحددة أم اساليب القيادة الخطرة. ويبدو أن مشهد السيارات التي تحولت كوماً من الحديد المعوج والملقاة على جانب الطريق هنا وهناك لم تعد تمثل لدى السائقين درساً أو عبرة، بل أصبحت مشهداً معتاداً لا يحرك ساكناً لدى أحد. الحادث الأحدث والأبشع وقع قبل أيام حين دهس طالب جامعي (18 عاماً) بسيارته 12 شخصاً كانوا يقفون على جانب الطريق انتظاراً لسيارة أجرة تقلهم إلى مدارسهم وأعمالهم، إضافة إلى إصابة سبعة مواطنين آخرين. الطالب نفسه اعترف بأنه كان يقود السيارة بسرعة 150كم/الساعة (السرعة القصوى المسموح بها على الطريق الدائري هي 90 كم)، وأنه ليس متمكناً من أصول القيادة! هذا الحادث فجر جدالاً مجتمعياً حامياً، وأخذ الجميع يندد ب «أبناء الأغنياء» الذين يقودون سيارات فارهة بسرعات كبيرة على الطرق من دون رادع، وآخرون ينددون بالحكومة التي تدفع المواطنين والطلاب إلى الانتظار على جانب الطرق السريعة التي يمنع توقف السيارات فيها أصلاً لركوب سيارة أجرة، وفريق ثالث يندد بالحكومة كذلك ولكن بسبب تردي حال الطرق وتدهور صيانتها بشكل كبير، وآخرون ينددون بمسؤولي المرور الذين يتبعون مبدأ «أذن من طين، والثانية من عجين» في كل ما يختص بشؤون السير. وإذا كان الطريق الدائري حاز لقب «طريق الموت» عن جدارة، فإن هذا لا يقلل من شأن بقية الطرق، بما في ذلك شوارع القاهرة نفسها وجسورها التي تحصد هي أيضاً أكبر عدد من أرواح الشباب. وقبل أيام، لقي طالب في الجامعة الأميركية في القاهرة حتفه على بعد أمتار من مقر الجامعة في التجمع الخامس المتاخم للقاهرة بسبب السرعة الزائدة وانقلاب السيارة به. وفي حادث مشابه من حيث الانقلاب فقد ضابط شرطة شاب حياته في شارع الميرغني في حي مصر الجديدة. وكم من حادث شهده جسر 6 أكتوبر الذي على رغم ازدحامه شبه الدائم، يعتبر مسرحاً لنماذج القيادة الجنونية والمتهورة التي لا تجد من يردعها ليلاً أو نهاراً. ولعل الحادث البشع الذي راح ضحيته نجم برنامج «ستار أكاديمي» اللبناني رامي شمالي وأصاب زميله وصديقه المصري محمود شكري إصابات بالغة، كما راح ضحيته رجل وزوجته اصطدمت بهما سيارة الشابين من أبرز الحوادث التي شهدها الجسر هذا العام. الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أعلن قبل أيام أن 18 شخصاً يموتون يومياً ويصاب أربعة آخرون كل ساعة في حوادث طرق في مصر. وقال رئيس الجهاز اللواء أبو بكر الجندي أن حوادث الطرق ارتفعت في عام 2009 بنسبة 8،9 في المئة (23 ألف حادث) مقارنة بالعام السابق. كما ارتفعت نسبة حوادث الطرق السريعة بنسبة 22 في المئة. وبعيداً من أرقام الوفيات ونسب الإصابات والكلفة الاقتصادية، وكلفتها النفسية على عائلات المتضررين والمتوفين، تبقى حوادث الطرق في مصر شكلاً من أشكال العنف غير المبرر وغير المنطقي الذي يمارس يومياً ضد ملايين المصريين على مرأى ومسمع من الجميع ومن دون اهتمام يذكر. وعلى رغم تدخل الرئيس المصري حسني مبارك شخصياً في الأمر قبل نحو أسبوعين وذلك حين طالب بضرورة عدم مد مهلة تشغيل مقطورات النقل بعد آب (أغسطس 2012)، والتي تتسب في وقوع حوادث عدة، ومطالبته بإحكام الرقابة على الطرق للحد من نسبة الحوادث، إلا أن المواطن العادي ما زال لا يشعر بأي إحكام، وما زالت السيارات الطائشة تجول أرجاء المدن، وما زالت الأرواح، تحصد من دون مبرر.