كان بين يدي أعداد مجلة «موهبة» جميعها بعد معاودة الإصدار... مجلة زاهية الألوان ذات غلاف جذاب ومواضيع مختلفة كلياً عن تلك التي بجوارها في أعمدة الصحف والمجلات، إنها تطرق موضوعاً واحداً وحسب، فما الذي يمكن أن تعالج في موضوع واحد في كل هذه الأعداد؟ عندما تصفحت الأعداد، لاحظت تنوعاً وتطوراً سريعاً في نوعية الورق، وإخراج الطباعة والرسومات والألوان وترتيب مواضيعها الثابتة والمتغيرة، هذه إحدى خصائصها التي تتفق مع نفس شبابي يلوح في الأقلام والكتابات والمواضيع المعالجة، سأتجول مع القراء في زواياها المختلفة وأتوقف عن بعضها بشيء من الانطباع. المواضيع التي يلتقيها القراء في هذه المجلة شتى، لكنها مستغرقة في شبكة مترابطة جذرها الموهبة، وتشي هذه «الموهبة» بكثير من الأمل والثقة والحث على إيجادها ودعمها وتسخير كل شيء يخدمها، ولهذا يلتقي القارئ بالأفكار المتعلقة بفهم ماهية المواهب والمهارات، هل هي كامنة أم يتم تنميتها في الجميع؟ وما تعلق بذلك من دراسات وتوجهات وأساليب الرعاية والعناية بها في البيت والمدرسة، ونلتقي بمساعي الأمم في احتوائها وتبريزها بما يعود بالنفع والتقدم الذي يعم الأفراد والمجتمعات والإنسانية جمعاء، ونلتقي بمجالات المواهب التي تتعلق بالإبداع والإنجاز في مجالات الفن أو العلم أو الأفكار. ثم يتفرع من هذه النواة المواضيع الثابتة، ففي «القضية»، تناقش مواضيع ساخنة من قبيل الجدل الدائر حول اختبارات الذكاء وقيمتها وتاريخها وتطبيقاتها وسلبياتها وإيجابياتها، ومن المواضيع الساخنة، الحديث عن خوف الوالدين على ولدهما الموهوب وتوابع ذلك من خسران ثروة مخبأة، ثم نجد مواضيع من قبيل معضلة تسويق الابتكارات وعزوف المبتكرين عن التسويق، وموضوع طرق جديدة في التفكير كالتفكير عن طريق التصميم، وموضوع الإعلام وعلاقته بالإبداع، من يخدم من؟ هذه الزاوية تشعل فتيل الجدل في ما هو قريب من الاجتماعي والفكري معاً. أما «في الميدان»، فتوجد جولات على أرض الواقع في السعودية لاستكشاف المشاريع، من هذه مشروع «بادر» الذي يشجع الصناعة في المملكة، وجولة في واحة جدة للعلوم والتكنولوجيا، وجولة في كاوست، جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وجولة في سايتك، مركز الأمير سلطان للعلوم والتقنية، وجولة قريبة من مجاهر تقنية النانو، وجولة في مختبر «ساتلايت لاب» في جامعة الملك سعود. «في الميدان»، زاوية تعرف القراء بالحركة العلمية والتقنية ومشاريع قد لا يسمع عنها إلا المختصون ومن هم في دوائرهم، لكن «موهبة» بهذه الزاوية، تضمن للقارئ أن يسمع في كل عدد عن مشروع كهذا يتعلق بمختصين أو يفيد الموهوبين ويسلط الضوء على بقعة تستحق الاهتمام ويبحث عنها المهتمون ولا يجدونها بسهولة. وأما «على قدم وساق»، فزاوية تُعنى بمشاريع «موهبة» ذاتها، تحكي هذه الزاوية عن مبادرات وانجازات «موهبة»، كتوقيع عقد بينها وبين جامعة جون هبكنز لبناء برامج الموهوبين، ومشروع موهبة مع مجموعة مدارس للتنقيب عن الموهوبين، وحكاية 30 موهوباً شاركوا في مسابقة «انتل» العالمية وعن تبني الاتحاد العالمي معرض ابتكار، ظاهرة عالمية رسمية، هذه الزاوية تتطرق لمشاريع موهبة، وتشدد أن «موهبة»، مشروع عملي تطبيقي أكبر من كونه مجلة تُعنى بموضوع على الصعيد النظري. تأتي زاوية «موهبة تسأل وأخرى تجيب»، حواراً مع موهوب ومنجز كانت له خبرة مع الموهبة معايشة وإنجازاً في أحد المجالات، هذه الزاوية تقترب من شخصية وتثير حواراً عن الانجاز وعن تصورات الموهبة والإبداع من واقع الخبرة الشخصية. ومن أطرف الزوايا في المجلة، زاوية «غلطة الشاطر»، التي تجعل من بعض العلماء يطلقون عبرات وتصورات تخالف ما يأتي بعدها، كانوا أطلقوها بكل ثقة حينها، من ذلك أن يعمد أحدهم إلى التأكيد على أن حفر الأرض بحثاً عن الزيت ضرب من الجنون، وأن الطائرات لا تعدو أن تكون ألعاباً لا تقدر على شيء وليست ذات فائدة، ومن الزوايا الطريفة أيضاً، زاوية «موهبة مبكرة، موهبة متأخرة» وهي في صفحتين متقابلتين تقدمان شخصية نبغت في الصغر، وشخصية نبغت في الكبر، وكثيراً ما تكون عربية وأجنبية، وتأتي زاوية «يوميات موهبة»، لتقدم شخصية من عباقرة التاريخ وتقدم سيرته في اسلوب طريف، مثل سيرة أديسون قبل أن يكون أديسون، وحكاية الأخوين رايت اللذين اخترعا الطائرة، وتأتي التجارب الشخصية عن شخصيات موهوبة من الوطن، تقدم شخصيات في زاوية «نقطة تحول»، ولزيادة المرح والمتعة العملية، تقدم موهبة «فضاءً حراً» يحوي في العادة ألغازاً وألعاباً ذهنية ماتعة. من أبواب المجلة المهمة باب «الدوسيه»، وهذا الدوسيه، يستعرض عن قرب موضوعاً بالغ الأهمية بحيث يشبعه تفصيلاً ونقاشاً، من المواضيع التي قدمت في الدوسيه، موضوع المسابقات العلمية والتعلم عن طريق الترفيه وألعاب الذكاء، وموضوع البرامج الصيفية والموهوبين، وعن الابتكار في السعودية وعن الروبوت الذي أثبت أن اللعب جد. أما «على سبيل المثال»، فباب يجول بالقارئ في البلدان وبرامج التعليم والاهتمام بالموهوبين، استعرض ذات مرة موضوعاً عن برامج النخبة في سنغافورة، وموضوعاً عن تنمية المواهب في المدارس البريطانية، وعن تجربة التعليم الخاص بالموهوبين في روسيا وعن التعليم في فنلندا. تختتم المجلة كل عدد بباب يأخذ القارئ بأجنة الخيال تحت عنوان «تخيل»، يتطرق هذا الباب في كل مرة إلى تصور متخيل ويبني حوله شروطاً جديدة ماتعة، من المواضيع المطروقة موضوع أن نتخيل عالماً بلا ألوان، وأن نعيش أكثر من 100 عام، أو أننا قطنا القمر، أو أن الأرض توقفت عن الدوران، أو أن للإنسان أجنحة، أو أنه لا ينسى، ويكتب هذه الزاوية أشرف فقيه الشغوف والمشغول بالخيال العلمي قراءة وكتابة ومتابعة. ليس هذا كل ما تقدمه «موهبة»، فزيادة على هذه الزوايا الثابتة، تتحفنا بأجندة فيها قائمة بأخبار المؤتمرات والفعاليات في داخل البلاد وخارجها التي عقدت وستعقد في الأيام المقبلة، وتقدم تفاصيل مكانها وزمانها وحيز الاهتمام، وتقدم أيضاً قراءات ومراجعات واستعراضاً للكتب التي تُعنى بالمواهب والموهوبين، وللمجلة باب مترع للتواصل مع القراء سؤالاً وجواباً وتواصلاً واستماعاً وإبداء للنصح والارشاد. مجلة موهبة، قدمت في الأعداد الصادرة بعد انقطاع، نفساً جديداً شاباً ومحتوى نحتاجه في العربية، إذ تتميز بانفتاح فكري وحماسة لكل جديد وتدعم الاستطلاع وتقصي التجارب ومتابعة موضوع الموهبة والموهوبين بدءاً من هذه البلاد ومروراً بما جاورها إلى أقاصي المعمورة، على رغم أن موضوع الموهبة موضوع شائك فيه الكثير من الحراك والجدل، إلا أن تنوع استعراض وجهات النظر ومتابعة كل ما تعلق بها على الصعيدين النظري والتطبيقي، محلياً وخارجياً، سيؤسس لمحتوى عربي جاد في هذا المجال ذي الأهمية البالغة، ولكثرة ما يُكتب في هذا المجال من محتوى بلغتنا ولغات أخرى، أقترح أن يضاف إلى هذه الأبواب زاوية نقدية صارمة، تؤسس لأداة حدية تميز بين الراسخ والمتبلور في مجال حديث من مجالات المعرفة الإنسانية، إضافة إلى ذلك، أقترح أن تؤسس زاوية أخرى لأفكار مشاريع فردية تثري حياة الموهوبين الذين لا يمتلكون الإمكانات المادية ولا القرب من المؤسسات والجهات الراعية، وتعزيزاً لوصول المجلة للشريحة الكبرى من القراء، سواء كانوا من الموهوبين أو المهتمين بهم والموهبة، فإنه لمن الضروري تعزيز موقع موهبة الالكتروني بنسخة الكترونية تقدم فيها المجلة المطبوعة من محتوى للقراء، إن مجلة كهذه، لبذرة من بذرات الخير التي ستزهر وتعبق وتثمر وستتذكرها الأجيال مثل ما يتذكرون كل جميل ومفيد، وحري بالمهتمين بهذه البلاد أن يبادروا لمشاريع مثيلة تثمن قيمة الإنسان وتؤمن به وتدعمه وتسارع بخطى التقدم على الصعيدين العملي والنظري. [email protected]