«الحكم عنوان الحقيقة». تلك هي العبارة التي اعتاد أن يرددها العاملون أو المتعاملون مع القضاء في مصر، وتعني أنه مهما كانت وجهات النظر أو الملابسات التي سبقت أو رافقت صدور حكم قضائي فإن الحكم كما نطق به القاضي يصبح هو الحقيقة وعلى الجميع أن يسلم بها ويتعاطى معها وليس غيرها. ولأن الحكم بالإعدام ليس أمراً سهلاً فإن القانون المصري يفرض على النيابة العامة التي هي جهة الادعاء أن تطعن عليه بالنقض إذا لم يمارس الدفاع عن المحكوم بالإعدام حقه في اللجوء إلى محكمة النقض. وعلى ذلك فإن الحكم المتوقع بإعدام رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى والضابط السابق محسن السكري والذي سينطق به القاضي محمدي قنصوه يوم 25 حزيران (يونيو) المقبل بعد ورود رأي المفتي حول القضية، وهو مجرد إجراء شكلي، لن يكون حكماً باتاً واجب التنفيذ، وسيبقى أمام المتهمين جولة أخرى قد تكون الأخيرة أو تعيد القضية إلى بداية جديدة. فمحكمة النقض لا تنظر إلى وقائع القضية أو تفاصيل الاتهامات والأدلة الثبوتية أو أدلة النفي، ولكنها فقط تنظر في الإجراءات التي اتبعتها محكمة الجنايات وما إذا كانت سليمة أم لا، وكذلك ما إذا كان القاضي اخطأ في الاستدلال أو تطبيق القانون أو أنه اتبع الاجراءات السليمة ونفذ القانون من دون أدنى مخالفة. وعلى ذلك فإن محكمة النقض تحاكم الحكم الذي أصدرته محكمة الجنايات وتقر بصحته أو تثبت خطأه، فإذا رأت أن الحكم سليم فإن حكم الاعدام يكون قد ثبت ويصبح تنفيذه في حق مصطفى والسكري لازماً لما تقرره وسيتحدد التاريخ, وعادة لا يعلن عنه، وفقاً لما تقرره سلطات تنفيذ الأحكام التابعة لوزارة الداخلية، أما إذا رأت محكمة النقض أن الحكم شابهه «العوار» أو اخطاء في الاستدلال فإنها تسقطه وتلغيه لكنها لا تلغي الاتهامات أو تبرئ المتهمين، وتأمر بإعادة النظر في القضية من جديد أمام دائرة قضائية أخرى تابعة لمحكمة الجنايات، وعندها سيمثل المتهمان مصطفى والسكري من جديد أمام دائرة قضائية أخرى تنظر في القضية من بدايتها من دون الاعتداد بالإجراءات والأدلة أو الظروف أو الملابسات التي رافقت المحاكمة الأولى، وربما هذا أقصى ما يتمناه المتهمان الآن. فإذا برأت المحكمة الثانية المتهمين يحق للنيابة العامة اللجوء إلى محكمة النقض مجدداً للطعن في الحكم أما إذا أقرت للمرة الثانية الحكم بالإعدام فإن القضية تذهب مجدداً وللمرة الأخيرة إلى محكمة النقض التابعة للنيابة العامة أو الدفاع الموكل عن المتهمين أو احدهما، وفي هذه المرة يمنح القانون محكمة النقض الحق في أن تقوم هي بالفصل في القضية بشكل نهائي أي أنها تحاكم الحكم الذي أصدرته محكمة الجنايات في المحاكمة الثانية وكذلك تتصدى لمحاكمة المتهمين أنفسهم، ويكون حكمها في كل الأحوال نهائياً وباتاً سواء أقرت بصحة الحكم الثاني بما يعني تثبيت الإعدام أو برأت المتهمين, ولا يحق لأي جهة بعدها اللجوء إلى أي محكمة أخرى للطعن أو الاستئناف. عموماً فإن قرار أخذ رأي المفتي في إعدام رجل الأعمال مصطفى والضابط السابق السكري الذي أصدرته محكمة الجنايات المصرية الأسبوع الماضي لم يكن مفاجئاً إلا لمن تمنوا عكسه، كما أن صدور قرار من محكمة النقض في المرحلة المقبلة بإلغاء حكم الإعدام يبقى أمراً وارداً حتى بالنسبة لمن رأوا ضرورة إعدام المتهمين. المهم في الأمر أن القضية عكست اهتمام كل الأوساط في مصر وربما خارجها بصورة رجال الاعمال المصريين وبينت إلى أي حد صارت الانطباعات عنهم سيئة للغاية وأن عدداً غير قليل منهم صار محل شبهات سواء كانت أخلاقية أو منافية للقانون. وليس سراً أن بعض أصحاب الأعمال والمشاريع والشركات والمصانع والمزارع ونجوم البيزنس صاروا يتنصلون من ذلك التوصيف: «رجل أعمال» لما لحق به من تشويه بسبب ما اقترفه غيرهم من آثام وأخطاء وجرائم. واللافت أن وجود رجال أعمال بارزين في مواقع تنفيذية مهمة في الإدارة المصرية (الحكومة) وكذلك في مراتب تنظيمية متقدمة أو الحزب الوطني الحاكم يستلزم من الحكومة والحزب العمل على تصحيح الصورة وتنقيتها وتغيير الانطباعات التي بدأت تترسخ في أذهان الناس. قد يكون الحكم بإعدام هشام طلعت مصطفى دليلاً على الشفافية وعدم التدخل في أحكام القضاء وعدم التستر على المنحرفين، أياً كان نوع الانحراف، لكن من دون إجراءات أخرى تكفل تطبيق القانون على كل رجال الأعمال من دون تمييز، سيبقى بعض الناس يسأل: لماذا هشام طلعت مصطفى وحده؟