ردت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أمس على دعوة الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله الى مقاطعة التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، في بيانين منفصلين صدرا عن رئيس المحكمة انطونيو كاسيزي الذي أكد «كل العزم على عدم الخضوع لأي أعمال تدخل وتخويف»، والمدعي العام في المحكمة القاضي الكندي دانيال بلمار الذي شدد على أن «العنف لن يردع مكتب المدعي العام عن مواصلة عمله»، وأوضح ان المكتب «لم يخرق القواعد الأخلاقية أو الدينية». وبموازاة رد المحكمة، وبعد رد من كتلة «المستقبل» النيابية التي اجتمعت برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، استغربت فيه «إعاقة عمل» التحقيق الدولي أثناء زيارة فريق منه العيادة النسائية صباح الأربعاء الماضي، أكد الحريري في كلمة له ألقاها مساء في الجامعة الأميركية في بيروت ان لبنان لن يقع في الفتنة أو في انعدام الحوار. وطمأن اللبنانيين الى أنه «لن يقع في الرأي الواحد... ونحن مسؤولون عن حمايته واستقراره ولن تسمعوا منا كلمة واحدة وخطوة واحدة في عكس هذا الاتجاه». وإذ شددت كتلة «المستقبل» على تمسكها بالمحكمة الخاصة بلبنان معتبرة العدالة أساس الاستقرار، ونفت أن يكون فريق التحقيق الدولي طلب من العيادة النسائية أسراراً طبية بل معلومات متعلقة بأرقام هاتفية، فإن رموزاً قيادية في المعارضة دعت رئيس الجمهورية ميشال سليمان والحكومة الى الاستجابة لدعوة نصرالله الى مقاطعة التحقيق الدولي وعدم التعاون معه. ودعا الرئيس السابق للجمهورية إميل لحود الرئيس سليمان ومجلس الوزراء الى التوجه الى مجلس الأمن «بموقف فيه منازعة بموضوع المحكمة الخاصة للتشاور في شأنها وإزالة أذاها». واعتبر زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون ان «المحكمة ليست موجودة قانوناً لأنها لم تسلك الطرق الدستورية ولتصبح مقبولة واقعياً يجب أن تكون عادلة ومن دون شوائب في التحقيق». وفيما طرحت دعوة نصرالله إمكان انتقال النزاع بين فريقي 14 آذار والمعارضة حول هذا الأمر الى قلب السلطة التنفيذية بطرحه على مجلس الوزراء، فإن مصادر مطلعة قريبة الى المعارضة أوضحت ل «الحياة» أنه حتى لو نوقش الموضوع في مجلس الوزراء فإن المعارضة تتجه الى تجنب طلب حسمه في الحكومة نظراً الى الحرص على عدم تفجيرها من الداخل ونظراً الى الحاجة الى استمرارها في هذه المرحلة برئاسة الحريري. وعلم أن المعارضة تفكر بان تطرح في المجلس النيابي، في أول جلسة يعقدها، التصويت على موقف يسقط الإجماع على المحكمة بمبادرة من رئيس المجلس نبيه بري، على أن يبلغ ذلك الى الأممالمتحدة. وذكرت المصادر ان بعض قيادات المعارضة يراهن على انضمام بعض نواب الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة النائب وليد جنبلاط الى هذا الموقف، نظراً الى المخاوف التي يعبر عنها الأخير حيال آثار المحكمة على السلم الأهلي. وكان جنبلاط أبدى تفهمه أمس «للاعتراض السياسي والأمني والأخلاقي للسيد نصرالله نتيجة الدخول الى عيادة الطب النسائي» ودان «التصرف اللاأخلاقي للمحققين الدوليين». إلا أن مصدراً في قوى 14 آذار أوضح ل «الحياة» ان التوجه الى المجلس النيابي لمحاولة استصدار موقف منه حيال المحكمة لن يكون مفيداً فالأممالمتحدة سبق لها ان تلقت العام 2007 عريضة موقعة من أكثرية البرلمان السابق ضمت 71 توقيعاً تطالب بإقرار المحكمة في مجلس الأمن نظراً الى إقفال المجلس النيابي في حينه بسبب الأزمة السياسية ويتعذر إقرار الاتفاقية مع الأممالمتحدة حول نشوء المحكمة. وذكرت مصادر مطلعة على موقف الرئيس سليمان انه يرى ان طرح موضوع التعاون أو عدم التعاون مع المحكمة بعد موقف السيد نصرالله، على مجلس الوزراء لن يذهب الى حد إخضاعه للتصويت. وكذلك بالنسبة الى موضوع شهود الزور. وأشارت المصادر الى أن الرئيس سليمان يعتبر أنه مهما حصل التصعيد في البلاد فإن لا بد للأطراف من أن يتوصلوا الى تفاهم في النهاية. وكان القاضي كاسيزي أصدر موقفه مساء أمس رداً على دعوة نصرالله الى مقاطعة التحقيق الدولي في بيان جاء فيه: «توجّه اليوم (أمس) القاضي أنطونيو كاسيزي، رئيس المحكمة الخاصة بلبنان، الى الأمين العام للأمم المتحدة، السيّد بان كي – مون، ورئيس الوزراء اللبناني، السيد سعد الحريري، في رسالتين منفصلتين أعرب فيهما عن قلق المحكمة الشديد حيال الحادثة التي وقعت في بيروت في 27 تشرين الأول (أكتوبر). وقد أدّت هذه الحادثة الى إصابة موظّفي المحكمة والى أخذ أغراض تخص المحكمة بطريقة غير مشروعة». وتابع البيان: «وطمأن رئيس المحكمة الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الوزراء اللبناني قائلاً: لن نسمح بأن تؤثّر هذه الحادثة المؤسفة على سير عمل المحكمة وعلى مواصلة مهمتها الهادفة الى الكشف عن الحقيقة من أجل الشعب اللبناني والمجتمع الدولي». وأكد أن «المحكمة ستواصل عملها المستقل ضمن إطارها القانوني». وأضاف كاسيزي انه «وموظفي المحكمة يقدرون التزام لبنان القوي بالتعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان كما يقدّرون دعوة الأمين العام للأمم المتحدة جميع الأطراف الى عدم التدخل في أعمال المحكمة». واختتم كاسيزي بالقول: «نحن عازمون كل العزم على عدم الخضوع لأي أعمال تدخّل وتخويف في أثناء إنجازنا مهمتنا بصورة مستقلة وعادلة». وبعد دقائق من بيان كاسيزي أصدر القاضي بلمار البيان الآتي: «ان التصريحات التي صدرت أخيراً حول الاعتداء الأخير ضدّ موظفين من المحكمة الخاصة بلبنان ومفادها ان المحققين اطّلعوا على سجلات خاصة بمريضات العيادة النسائية منتهكين بذلك المعايير الأخلاقية والدينية والإنسانية لا أساس لها من الصحة». وأضاف: «في تصريحاتها الإعلامية، أكدت الطبيبة التي قابلها ممثّلو مكتب المدّعي العام أن المحققين لم يطلبوا منها أي معلومات طبية. كما انها ألغت كل مواعيدها في ذلك الصباح حتى لا تتسبب زيارة المحققين بأي إزعاج لمريضاتها. وكما صُرّح في البيان الصحافي الصادر في 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2010، فقد كانت الإجراءات المحيطة بهذه الزيارة على درجة عالية من المهنية وخاضعة للضمانات القانونية. كما كانت السلطات اللبنانية وافقت على هذه الزيارة. وكانت عناصر من الشرطة القضائية ومن الجيش اللبناني ترافق المحققين. ووافقت على هذا اللقاء الطبيبة التي حصلت على إذن مسبق من نقابة الأطباء في بيروت للاجتماع بالمحققين، وعلى النقيض من قانونية الاجتماع أو شرعيته، تم الاعتداء على موظفي المحكمة من قبل المعتدين وسرقت ممتلكات تابعة للمحكمة». وشدد بلمار على أن «المحكمة الخاصة بلبنان محكمة قضائية. وهي تطبّق أسمى المعايير الدولية لحقوق الإنسان وتؤدّي عملها تماشياً مع القانون». وأضاف: «تُعتبر أي دعوة الى مقاطعة المحكمة بهدف منعها من إنجاز مهمتها محاولة متعمدة لإعاقة العدالة. غير أن العنف لن يردع مكتب المدعي العام من مواصلة عمله ويتوقع هذا الأخير استمرار التعاون مع المحكمة وفقاً لنظامها الأساسي وللقوانين اللبنانية. وتصب معرفة الحقيقة بشأن الاعتداء الذي أدّى الى مقتل الرئيس رفيق الحريري و22 شخصاً آخر في مصلحة جميع اللبنانيين». ومساء ألقى الحريري خطاباً لمناسبة الاحتفال بمرور 10 سنوات على تأسيس كلية سليمان عليان لإدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت، التي كان افتتحها والده في حينها فاقتبس ما جاء في خطاب رئيس الحكومة الراحل قائلاً: «قبل عشر سنوات، حضر الرئيس الشهيد رفيق الحريري احتفال ولادة هذه الكلية الرائدة في لبنان والمنطقة. قد يذكر بعضكم أنه في ذلك اليوم، كان الجو السياسي في البلاد متشجناً واستقبله حوالى 20 طالباً بالهتاف ضده، فيما كانت غالبية الحضور تستنكر وتواجه الهتافات بالهتافات المضادة. يومها، رحب الرئيس الحريري بهذه الظاهرة الديموقراطية التي تمثل جوهر لبنان قائلاً: ان ما نخشاه هو أن يبقى في لبنان صوت واحد ورأي واحد يعتقد أنه يملك الحقيقة وناصية الأمور ويعتقد أن كل ما يفكر به ويعرفه هو الحقيقة بحد ذاتها... هناك ناس لا يريدون الحوار ولا يريدون أن يسمعوا. يريدون أن يسمعوا آراءهم فقط. وهناك آخرون مستعدون للحوار والنقاش ولأخذ المبادرة. أعتقد أن لبنان هو بلد الحوار والديموقراطية وعلينا التمسك بهذا الأمر مهما كانت الصعوبات ومهما كانت الضغوط... نحن نعيش مرحلة من تاريخنا يتحدد منها كما أعتقد مسار البلاد لفترة طويلة. قد تساق البلاد نحو الرأي الواحد والفكر الواحد والحقيقة التي يملكها أهل الحل والربط أو تستمر البلاد باتجاه التعددية الفكرية والديموقراطية الحقة والحرية... أنا مؤمن كل الإيمان بأن اللبنانيين يعشقون الحرية ويتنفسون الديموقراطية ويحترمون القانون والتراث والتقاليد التقاليد اللبنانية العريقة بالرغم مما شاب تاريخنا من مآسي تبقى تقاليد نعتز بها». واضاف رئيس الحكومة: «أنا أعلم أن اللبنانيين اليوم خائفون على حرياتهم وديموقراطيتهم وعلى أمنهم واستقرارهم واقتصادهم. لكني هنا لأطمئنكم، وأطمئنهم جميعاً: لبنان لن يقع. وهو لن يقع في الفتنة، ولن يقع في انعدام الحوار، ولن يقع في الرأي الواحد، ولن يقع في الخروج عن هويته الديموقراطية، العربية، الحرة، مكاناً للعيش المشترك، للمناصفة التامة، بين المسيحيين والمسلمين. هذا النموذج، نحن مسؤولون، عن حمايته، وعن استقراره، ولن تسمعوا منا كلمة واحدة، ولن تشهدوا منا خطوة واحدة، في عكس هذا الاتجاه».