في الوقت الذي نزح شبان عرب إلى التغريب كتأويل للحداثة، قرر مصمم الغرافيك المصري حاتم عرفة (28 سنة) أن يصنع حداثته في مجال فني تقليدي، كرسم الخط العربي الذي لم يعد يقتصر على أشكال خطوط تراثية، كالكوفي والثلث والديواني، بل طوِّع ليصبح جزءاً من لوحة فنية ترتدي فيها السيدة فيروز فستاناً مصمماً من كلمات أغنيتها «أعطني الناي»، وأخرى تزين فيها كلمات أغنية «وعدتك» للشاعر نزار قباني زي مغنيتها ماجدة الرومي، فيما يُصور الشاعر المصري أمل دنقل متجهماً وهو يرتل قصيدة «سبارتاكوس الأخيرة» وقد علقت بكتفيه بعض الكلمات. يفسر الشاب المنحدر من الإسكندرية اهتمامه بالخط باعتباره «فناً عربياً أصيلاً لا نظير له في أي ثقافة أجنبية»، إضافة إلى تأثره بوالده الذي يهوى رسم الخط، فانتقل الشغف من الأب إلى الابن باتجاهات أكثر عمقاً، إذ بدأ الأخير اهتمامه بالفنون عموماً في عمر السابعة عشرة، ثم قرر في مرحلة لاحقة ترك دراسته الجامعية في كلية التجارة من أجل احتراف رسم الخط. يلجأ عرفة إلى الرمزية في لوحاته، مجسداً فيروز في لوحة لأغنية «زهرة المدائن» أو مصمماً مركباً من أحرف كلمات «يا مراكبي» للفنان النوبي أحمد منيب، وقد يفسر ذلك سبب انبهار متابعيه على صفحته في موقع «فايسبوك» الذين تجاوز عددهم 41 ألف معجب. يقول عرفة: «أدرك أن المزج بين الخط والرسم ليس جديداً ومهمتي هو أن أصل إلى تصميم لا تشعر بأنه مر على عينيك من قبل». وعن بداياته يقول في حديث ل «الحياة»: «انتقلت من مجرد هواية رسم الخط إلى العمل فيه صدفة، وذلك عندما بدأ بعض المتابعين لرسمي على موقع «فايسبوك» طلب أغلفة كتب وشعارات، وهنا بدأت العمل في شكل احترافي، فاطلعت على مقاطع لخطاطين لتلقي أصول ذلك الفن إلى أن وصلت لمرحلة الرسم به». ويشرح أن «تصميم اللوحة يمر بمراحل عدة، من تصميمها إلى تنفيذها يدوياً ثم معالجتها عبر برامج غرافيك للتحكم في ألوانها»، لذا يفضل عرفة تسميته ب «مصمم الغرافيك» وليس «الخطاط»، باعتبار أن المصمم مسمى أكثر شمولاً. وتعد قصائد الشاعر الفلسطيني محمود درويش ورسوم الهوية العربية لفلسطين، وأغاني محمد منير المادة الأبرز للوحاته. وبخلاف تصميم اللوحات الفنية، حقق مصمم الغرافيك تقدماً في مجال أغلفة الكتب، إذ صمم أخيراً غلافاً عليه صورة السيدة فيروز وقد تطايرت خصلات شعرها مثل يمامات على شكل حروف أغنياتها، للتعبير عن مضمون كتاب «موسيقى الكلمات» الصادر عن دار نشر الجامعة الأميركية في القاهرة، تأليف بهاء الدين أسامة (كتاب يسعى إلى تحسين لغة غير الناطقين بالعربية عبر أغانٍ كلاسيكية)، إضافة إلى 20 تصميماً لأغنيات في الكتاب ضمتها صفحاته. ووصل إنتاج عرفة من أغلفة الكتب حتى الآن إلى 200 غلاف. ويرجع الفضل في رواج فنون الخط العربي بين الشباب حالياً إلى «موضة التصوف» التي تتجسد في انتعاش فن التنورة وأغان تراثية صوفية. الفنان الشاب لا يرى حرجاً في ذلك ويقول: «ليس لديّ مشكلة إذا ارتبطت رسومي بموضة، فما يهمني هو أن يكون فني مستخدماً في حياتهم اليومية غير مقتصر على المعارض». يتجاوز شغف عرفة بالخط العربي ممارسته إلى تعليمه، إذ ينشر المصمم الشاب مقاطع فيديو بهدف تعليم فن رسم الخط، كما ينظم دورات تدريبية كتلك التي نظمها في الأردن في نيسان (أبريل) الماضي لفئتي الشباب والأطفال. وعلى رغم إقامة عرفة في تركيا منذ عامين بغرض الدراسة «لاعتبار تركيا الدولة الأولى المهتمة بالخط العربي» وفقاً لقوله، ما زال يتعامل مع المتابع العربي كجمهوره الأول الذي يسعى إلى تثقيفه فنياً.