يتذكر الراوي في رواية «موت الراقصات» للإسباني أنطونيو صولير (ترجمة علي إبراهيم أشقر - منشورات وزارة الثقافة - دمشق) كثيراً من الوقائع والأخبار التي تتدفق بسرعة. الذكريات يتقاسمها بطلان؛ الراوي مع أترابه الصبية في فريق كرة القدم في القرية. والقسم الآخر من الذكريات المتشابكة بطلها أخوه رامون في ملهى برشلونة. روايته رواية أجواء ووقائع سريعة ومأسوية أكثر منها رواية حكاية. نقطة استقطاب الوقائع هي الملهى الملتهب بالشهوات الذي عمل فيه أخوه، والذي يتذكره الراوي، من خلال رسائل أخيه والصور التي يرسلها إلى أهله، ومن جملتها صور له مع صوفيا لورين وكلوديا كاردينالي. يصف الملهى بأنه يشبه الجنة، ولكل جنة أفعى، وأفعى ملهى دون موريثو في برشلونة هي الغيرة والجنون والهوى. هناك (حيث الراقصات كن يقتلن كالبق في قاعة الاحتفالات؟) ينزل أخوه رامون في نزل «دونيا انخلينس أسبلا» زوجة روبيرا المصور، ويقيم معهم الخادم «البارث» والبوّاق ترومبيتا، والساحر تشين، والملاكم ابلينو والراقصات لينا وروبي وفاطمة كومبادوس... اللذة صنو القتل؛ لعلها مقولة الرواية الاهم، أول ضحايا الملهى هو العازف كوسمة كوسمة، الذي وقع في حب الراقصة ليلي، التي طالما هددها صاحب الاسم المكرر مصوباً إلى رأسه مسدساً قديماً إن لم تعتزل الرقص والتعري والتخلي عن اسم ليلي الماجن، وكان الجمهور يظن ذلك نمرة من برامج العرض! إلى أن نفذ تهديده وأطلق النار على ليلي بدلاً من رأسه، فأرداها، فسقطت محدثة دوياً هائلاً بخلاخيلها. هرب كوسمة كوسمة من جريمته ثم وُجد منتحراً على سكة القطار. ثمة صراع بين دون موريثو صاحب الملهى وعشيقته «لابيا مانوليتا» التي تغار من الراقصة الجديدة دونيا أديلا (صولداد الشهيرة باسم روبي)، وروبيرا المصور، زوج الراقصة دونيا انخلنس ذات العرق المعطر بالعنبر - الذي يريد الحصول على الراقصة (روبي) ولو كلفه الأمر حياته. الراقصة الثانية التي ستسقط مضرجة برقصها على المسرح هي فاطمة كومبادوس. ستنهار بخلاخيلها المدوية وليرات الزينة الحديد. وقد جلب موت فاطمة، على عكس المتوقع، فرحاً إلى الملهى الذي بات مشهوراً كمكان تستشهد فيه الراقصات موتاً على يد عشاقهن، لكنّ موتها سيتسبب في تعطيل موهبة عشيقها المغني آرثو وريس نهائياً، وسيحل رامون المتباهي بغرته الكثة محله باسم جديد هو «كارلوس ديل ريو». يطرد صاحب الملهى دون موريثو المصور روبير خصمه المنافس على روبي فيعود إلى الملهى كمصور حر وتتحول كاميرته إلى آلة تصوير مجنونة مثله، فتلتقط صوراً لراقصات أو تجعل ليلي تحمل رأس كوسمة المنتحر على صينية، أو تجعل من الراقصة ادونيا حورية لها جسم سمكة... لكن بديله المصور بوربتا يخفق، فيكلف صاحب الملهى الملاكم ابلينو تلقين روبيرا درساً قوياً مقابل أن يتعهد له بمباراة ملاكمة حقيقية تجعله بطلاً. يخوض الملاكم المباراة الوحيدة ويخرج خاسراً ليعمل في مهنة بائسة مخيباً أمل أمه. يضطر صاحب الملهى الى استئجار شرطي لمنع المصور من الدخول إلى الملهى اسمه ماتشودكا، لكنه سيكون كمن جاء بالدب إلى كرمه. الراقصة المشهورة باسم لينا واسمها الحقيقي (دونيا انخلنس) زوجة روبيرا، تستقيل من الرقص بعد احتراق بيت عشيقها المحامي البرتو سانتوس الذي تسبب انغماسه في لذات جسدها إلى موت طفله وتشوّه وجه زوجته، لعل احد منافسيه على جسدها احرق داره وقلبه، ستكتمل المآسي بانتحاره معلقاً عارياً بملاءة السرير، وهو المشهد الأخير في حياتها الفنية. يغادر روبيرا الملهى إلى الأبد ليتابع هوايته في الانتقام من ماضيه بتشويه صور زملائه وصور الراقصات اللواتي لم يعد يتذكر أسماءهن... وقد استقرت رغبته الأخيرة في أن يصبح شبحاً. لكن الصراع الأشد في الرواية هو بين روبي وعشيقها صاحب الملهى دون موريثو الذي يتوسل حبها من غير أن تبالي به، فلا شيء يهمها سوى الرقص، فيطلق عليها النار وهي على المسرح عندما يكتشف أنها تخونه مع الشرطي الذي يدافع عن عشيقته بطلقة يقتلع بها عين صاحب الملهى وسط صخب الجمهور ودوي خلاخيلها وزينتها. تسقط روبي وعلى وجهها دهشة الحلم، فيحملها رامون وتنتهي الرواية الغنية بمشاعرها وأخبارها وتعبيراتها الأدبية بمصائر أخرى، اقل حزناً وتراجيدية. بل إن بعضها طريف مثل مصير الراقصة المودينا فرناندث التي تزوجت من وكيل شركة جوارب اعجب بساقيها فتزوجها كموديل حي؛ يكشف الجوارب للزبن؛ والضيوف (الذين كانت أنظارهم تتجه إلى ساقيها التامتين وليس إلى الجوارب). ولد سولير في مالقا عام 1956 وله مجموعة قصص عنوانها «غرباء في الليل» وروايات: «طراز الحب» و «ابطال الجبهة»... يعمل أيضاً في الصحافة وتأليف المسلسلات التلفزيونية.