لا يفوت متابع قناة الجزيرة خصوصاً إذا كان من الإعلاميين، ملاحظة تغيير كبير طرأ عليها في السنة الأخيرة، فإن لم ينتبه الى تغيير المستوى الذي يتراجع، فإنه لا بد أن يلتفت الى التغيير الكبير في الوجوه الذي حل. إذ يبدو أن إدارة «الجزيرة» ماضية في تنفيذ خطة ممنهجة على مراحل للتخلص من كفاءات طالما أشادت هي بها قبل غيرها، إذ لم يسبق أن شهدت أي محطة فضائية عربية أو أجنبية هذا الكم من عمليات الفصل أو الاستقالات بين كوادرها في هذه المدة الزمنية القصيرة. وهو أمر أدى الى نتيجتين اثنتين داخل القناة الأولى: تراجع ثقافة التعددية التي أثرت القناة سابقاً، فلم يبق بين كوادرها إلا متشابهات ومتشابهون فكرياً وعقائدياً وثقافياً، وثانياً نشر جو من التهديد غير المباشر لدى البقية الباقية مفاده ان «الجزيرة» على استعداد للاستغناء عن أي خبرة أو مهنية في لمح البصر، وأن الحرفية والمهنية لا تشفع هنا ولا تمنح صاحبها حصانة من أي نوع، لأن الأصل هو القناة (الشعار) والسياسة والإدارة، أما بقية العاملين فهم كماليات واكسسوار يمكن استبداله في أي لحظة. فبعد ان كانت «الجزيرة» قناة جاذبة للحرفيين والمهنيين والمتميزين، أصبحت قناة طاردة لهم كما يقول بعض العاملين. فإذا راجعنا قائمة المغادرين لسفينة «الجزيرة» خلال عام ونصف عام فقط فإننا نجد: حافظ الميرازي (مدير مكتب واشنطن) محمد العبدالله (مراسل دبي) ميشيل الكيك (مدير مكتب باريس) يوسف الشريف (مدير مكتب أنقرة) مراد هاشم (مدير مكتب اليمن) حسين عبدالغني (مدير مكتب القاهرة) جمانة نمور (مذيعة) نوفر عفلي (مذيعة) لونه الشبل (مذيعة) لينا زهر الدين (مذيعة) عرار الشرع (منتج أول) إسلام صالح (منتج بقسم المراسلين) وينضم اليهم أخيراً خالد داود (مراسل نيويورك) وعلى الطريق عباس ناصر (مراسل مكتب بيروت). وإن كانت ظروف مغادرة المراسلين والمنتجين مختلفة بين من استقال ومن دفع الى الاستقالة بطريقة أو أخرى، فإن الجميع بات على علم بقصة استقالة المذيعات الجماعية احتجاجاً على تعامل الإدارة معهم، حيث لم تتردد الإدارة في قبول الاستقالات فوراً، بل سارعت الى تعويض أماكنهم بسرعة من أي مكان وكل مكان لقطع الطريق على أي حديث للمصالحة أو المراجعة. ولعل من يطلع على قصص مغادرة بعض هؤلاء يدرك مباشرة حقيقة هذا المخطط للتخلص من أسماء محددة أو معينة، فالحجة وراء مغادرة عماد الأطرش مثلاً - مدير مكتب بروكسيل سابقاً - وحسين عبدالغني وخالد داود، هي انهم دخلوا في مشادات مع أحد زملائهم في المكتب، وهو أمر يمكن وقوعه في أي عمل، لكنه في «الجزيرة» يستوجب الرحيل!!. وفي القاهرة يعتبر حسين عبدالغني أحد مؤسسي قناة «الجزيرة» وعماد مكتبها الذي تحمل الكثير من سياسات «الجزيرة» التحريرية ضد مصر، بل كان أحد العناصر القوية التي ساعدت على اقناع محمد حسنين هيكل في الظهور على شاشة الجزيرة، إذاً لا تبدو الحجج هنا مقنعة في تبرير تخلص القناة من أسماء طالما خدمتها وطالما تميزت بها. قضية أخرى تؤيد ما يذهب اليه المراقبون وهي قضية عباس ناصر الحالية، فالإدارة أوقفت عباس عن العمل في لبنان انتصاراً لمدير المكتب غسان بن جدو الذي يقال ان تأثيره في صنع القرار أقوى من الإدارة نفسها. ومعلوم لدى القريبين من مكتب بيروت ان الخلافات لم تنقطع بين عباس ومدير المكتب غسان بن جدو الذي يتميز بصلاحيات واسعة ومكانة خاصة داخل «الجزيرة»، خلافات بين مراسل يريد أن يتميز وأن يستحق عن فعل لقب أفضل مراسل في القناة، وينجح في تحقيق توازن مهني غير مسبوق في أن يكون أهلاً للثقة والحظوة عند «حزب الله» و«تيار المستقبل» معاً، وبين مدير مكتب ذي طموح سياسي وحريص على أن يقوم بنفسه - بالاتصالات مع المصادر السياسية. إذ لوحظ ظهور مفاجئ على شاشة الأخبار بعد غياب من فترة لأخرى لبن جدو في الأوقات الحرجة والأزمات السياسية في لبنان، وهو ظهور بدا وكأنه لتصحيح معلومات أو تحليل يدلي به عباس، وتكرر هذا على الهواء أكثر من مرة، حدث هذا مع ناصر الذي يستند الى حرفيته وسجل أعماله وتقاريره في «الجزيرة»، وهو المراسل الوحيد في القناة الذي تدخل أمير قطر لمنعه من ترك العمل قبل سنوات حين بدت بوادر خلاف عباس مع مسؤوليه تتضح ولم تنصفه الإدارة يومها فقرر عباس حينها أن يقبل عرض «بي بي سي العربية. والسؤال اليوم لماذا تتعرض «الجزيرة» وحدها من دون بقية القنوات الإعلامية الى هذا الكم من السجالات الداخلية وتبديل الوجوه؟ أولا يلفت الانتباه هذا التحول في تاريخ «الجزيرة»، التي كانت ادارتها المؤسسة الأولى والتي حققت للقناة الشهرتين العربية والعالمية الأكثر حرصاً على مراسليها ومذيعيها وصورتها؟