بالتزامن مع تصاعد الخلاف التركي- الإيراني على وقف النار في سورية ومن يتحمّل المسؤولية عن خرقه، صعّدت أنقرة حملتها على واشنطن، بحجة أنها لا تساندها في معركتها الجارية في شمال سورية، وقالت إنها تشكك في جدوى وجود قوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة في قاعدة أنجرليك في جنوبتركيا، من حيث تنطلق للمساهمة في الحرب على «داعش». وقال نائب رئيس الوزراء التركي ويسي قايناق لقناة «الخبر» التلفزيونية أمس، إن مسألة قاعدة أنجرليك الجوية التي يستخدمها حلف شمال الأطلسي والتحالف الذي تقوده أميركا، مدرجة على جدول أعمال الحكومة التركية. ونفذت تركيا عملية توغّل في شمال سورية في آب (أغسطس) الماضي لإبعاد تنظيم «داعش» عن حدودها ومنع الأكراد من ربط مناطقهم بعضها ببعض. وتحاول القوات التركية وفصائل سورية حليفة لها منذ أسابيع طرد «داعش» من معقله في مدينة الباب بريف حلب الشمالي الشرقي. ورفضت أميركا مشاركة طائراتها في الهجوم على الباب، لكنها بدأت تليين موقفها في الأيام الأخيرة بإعلانها مشاركة طائراتها في التحليق في سماء المدينة لمساندة القوات التركية، ولكن من دون شن غارات. ويُتوقع أن يثير الأتراك هذه القضية قريباً مع الإدارة الأميركية الجديدة للرئيس دونالد ترامب بعد تسلمه منصبه في 20 كانون الثاني (يناير) الجاري. ولم يحدد ترامب موقفه في شكل جلي من العملية التركية في شمال سورية ومن إعلان أنقرة أنها لا تستهدف فقط «داعش» بل كذلك الأكراد، وتأكيدها أن القوات التركية ستتوجه بعد الباب إلى منبج والرقة. وينتشر فصيل مؤيد للأكراد في منبج، بينما يحاول تحالف يقوده الأكراد طرد «داعش» من الرقة، وهو أمر تعترض عليه أنقرة. في غضون ذلك، صعّد «الائتلاف الوطني السوري» المعارض موقفه أمس، متهماً روسيا ب «التلاعب» في شأن الطرف الذي سيمثّل المعارضة في مفاوضات آستانة المقبلة، مؤكداً أن «الهيئة العليا للمفاوضات» وحدها المخوّلة تشكيل وفد التفاوض مع الحكومة السورية. وصدر هذا الموقف بالتزامن مع تصريح حكومي تركي شدد على أن أنقرة تشترط مشاركة ممثلي المعارضة «الحقيقيين» في آستانة. ولم يتضح هل يندرج هذان الموقفان في إطار استباق تحرك روسي لتوسيع دائرة تمثيل الطرف المعارض في المفاوضات المتوقعة في 23 الشهر الجاري. ومفاوضات آستانة هي ثمرة اتفاق روسي- تركي تضمن في مرحلة أولى تطبيق وقف شامل للنار في سورية بدأ سريانه قبل أسبوع وما زال صامداً إلى حد كبير، باستثناء خروق متكررة في منطقة وادي بردى قرب دمشق، حيث تشن القوات النظامية هجمات متواصلة بحجة استهداف «جبهة النصرة» المستثناة مع تنظيم «داعش» من وقف النار. وتواصلت المعارك المتقطعة في وادي بردى أمس، وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»: «ما زالت معارك تدور بوتيرة متقطعة بين قوات النظام (السوري) وعناصر من حزب الله اللبناني من جهة، والفصائل المعارضة وعناصر فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) من جهة أخرى في منطقة وادي بردى» خزان مياه دمشق. وجاءت المعارك الخميس بعد تنفيذ قوات الحكومة ليل الأربعاء «عشرات الضربات الجوية على أنحاء في المنطقة تزامناً مع قصف مدفعي وصاروخي تسبب بمقتل عنصر من الدفاع المدني». وفي نيويورك أعلنت الأممالمتحدة أن 7 آلاف على الأقل نزحوا عن وادي بردى حتى الآن بسبب القتال «الذي أدى أيضاً الى قطع المصدر الرئيسي للمياه عن دمشق وضواحيها» منذ 22 الشهر الماضي. وقدرت أن 45 ألفاً يعيشون في المنطقة. وأشارت الى أن بين النازحين أكثر من 1200 عائلة سجلت في الهلال الأحمر السوري في مركز في الروضة قرب وادي بردى حيث تلقوا المساعدة. وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن المنظمة الدولية «أهلت أو أعادت العمل بمئة وعشرين بئراً في دمشق ومحيطها لتغطية قرابة ثلث الحاجة اليومية في المنطقة، وأن هذه الآبار هي المصدر الوحيد للمياه منذ 22 الشهر الماضي. ووصفت المنظمة الدولية انقطاع المياه عن 5.5 مليون نسمة في دمشق، بانها «جريمة حرب». وخلال مؤتمر صحافي في جنيف رأى يان ايغلاند رئيس مجموعة العمل في الاممالمتحدة حول المساعدة الانسانية لسورية ان «من الصعب معرفة الجهة المسؤولة عن هذا الوضع». وقال «في دمشق وحدها 5.5 مليون شخص حرموا من المياه او تلقوا كميات اقل لان موارد وادي بردى غير قابلة للاستخدام بسبب المعارك او اعمال التخريب او الاثنين معا». على صعيد آخر، قتل أمس 15 شخصاً بينهم 8 مدنيين نتيجة تفجير سيارة مفخخة في مدينة جبلة معقل النظام في محافظة اللاذقية الساحلية. وأفاد «المرصد السوري» بأن التفجير وقع «قرب الملعب البلدي» في منطقة تضم عدداً كبيراً من الحواجز الأمنية. وبث التلفزيون السوري الرسمي أن التفجير نفذه «إرهابي انتحاري». وفي طهران، أشاد المرشد علي خامنئي بالمقاتلين الإيرانيين الذين قُتلوا في سورية خلال مشاركتهم إلى جانب القوات الحكومية في قتال فصائل المعارضة. وقال خلال استقباله عائلات عناصر من الجيش الإيراني: «إذا لم تتم مواجهة الحاقدين ومثيري الفتن الذين يُعتبرون أدوات لأميركا والصهيونية في سورية، لكان علينا التصدي لهم في طهران وفارس وخراسان وأصفهان، فهؤلاء (الجنود الإيرانيون) شلّوا حركة الأعداء». وتؤكد إيران إنها تساعد القوات الحكومية السورية من خلال «مستشارين عسكريين»، لكن هناك تقارير واسعة الانتشار عن مشاركة مباشرة لقوات من «الحرس الثوري» في المعارك، إضافة إلى آلاف «المتطوعين» الشيعة الذين جاؤوا للقتال في سورية وانضموا إلى جماعات مرتبطة ب «الحرس». وأقرت السلطات الإيرانية بمقتل عدد كبير من هؤلاء في سورية.