ما إن ينجو برنامج تلفزيوني في لبنان من «براثن» الرقابة الرسمية حتى يقع في «شباك» الرقابة الأهلية. والرقابتان هاتان تكمّل واحدتهما الأخرى في فعل «التربص» والإدانة، ناهيك ب «التواطؤ» المضمر بينهما في ما يُسمى الحفاظ على الوحدة الوطنية وعدم التعرّض للأخلاق العامة وسواهما من الشعارات الرنانة والطنانة... آخر ضحايا هاتين الرقابتين كان برنامج «كلام الناس» للإعلامي مارسيل غانم (المؤسسة اللبنانية للإرسال) في حلقته الأخيرة التي شاء أن يجعلها ملتقى للجيل اللبناني الشاب بأطيافه كلها، فيتحاور هؤلاء الشباب ويعبّرون عن آرائهم بصراحة وجرأة وحرية. أما الحوار فدار حول الطائفية والمذهبية وكان عليه أن يحتدّ تبعاً للواقع اللبناني الراهن والتناقضات النافرة التي يتخبط فيها. وبدا هذا الحوار المحتدم صورة حية عن الحقيقة المسكوت عنها والتي تسعى السلطة في رموزها كافة، الى طمسها وتجاهلها على طريقة «النعامة» الشهيرة التي تخفي رأسها بين جناحيها لئلا ترى حقيقة ما يحصل. عبّر هؤلاء الشباب عمّا يشعرون به وعمّا يعيشونه ويكابدونه من دون مواربة أو محاباة. وكان طبيعياً أن تكون شهاداتهم قاسية وأليمة لأنهم يمثلون شريحة من هذا المجتمع اللبناني المعقّد والطائفي بل والمذهبي، المفتت والمجزأ. طبعاً لم تتحمل الرقابتان، الأهلية والرسمية، هذا الحوار الجريء الذي يكشف الجرح العميق، فنددتا به واستنكرتاه، وعمد المجلس الوطني للإعلام - ويا له من مجلس وطني - الى منع إعادة بثه في اليوم التالي وفق ما يقتضي جدول البرنامج. لم تستطع هاتان الرقابتان استيعاب مثل هذه المبادرة التي تفضح سياسة التكاذب والتجاهل والتعامي... ومثل هذا الحوار الصريح، يشكل بنظرهما، خطراً على السلم الأهلي وعلى الأخلاق الوطنية، لا سيما أن لبنان بحسب المفهوم الرسمي هو بلد التعايش والعيش المشترك والتسامح والوفاق... الى ما هناك من عبارات ممجوجة ومزيّفة تهدف الى تجاهل الواقع وتزويره. وقد فات هاتين الرقابتين ومَن يتبعهما، ان عدم الاعتراف بالحقيقة أو عدم الجهر بها يزيد المشكلة الطائفية تفاقماً ويرسّخها في النفوس والعقول فتصبح بمثابة الجمر الراقد تحت الرماد... لكنّ الرقابتين هاتين لا توليان هذا الخطر اهتماماً ولا تباليان به وبما يمكن أن ينشأ عنه، فهمّهما أن تظل هذه المشكلة مكبوتة ومسكوتاً عنها... أما اللافت تلفزيونياً أخيراً فهو «صمت» الرقابة الرسمية والأهلية أو سكوتهما أو غضّهما الطرف عن برنامجين جريئين جداً، دارا حول المثلية الجنسية - هذا الموضوع المحرّم والممنوع إعلامياً - الأول قدّمه «تلفزيون الجديد» وقد أعدّه رياض قبيسي مع رامي الأمين وحمل عنوان «مثلي مثلك»، والثاني قدّمه زافين في سياق «سيرة وانفتحت». والحلقتان كانتا جريئتين وبخاصة حلقة «مثلي مثلك» التي استضافت أشخاصاً مثليين تكلموا بجرأة عن قضيتهم ومعاناتهم الاجتماعية. أما زافين فكان ذكياً في استضافة أحد المسؤولين الأمنيين في حلقته ليتمكن من معالجة هذه القضية بصراحة وجرأة.