خاضت النقابات الفرنسية امس، اختبار القوة السادس ضد خطة الرئيس نيكولا ساركوزي لإصلاح نظام التقاعد ورفع سن نهاية الخدمة من 60 الى 62 عاما، فنزل المحتجون الى الشوارع وعطلوا الحركة الاقتصادية بإحكام قبضتهم على إمدادات الوقود التي تشكل العصب الأساسي للبلاد، ما دفع أرباب العمل الى إطلاق صرخة، معبرين عن مخاوفهم من عواقب المعركة بين الحكومة والنقابات، والتي لم تخلُ من مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في أماكن عدة. ولم يؤدِّ تصاعد الاحتجاجات الى «ليّ ذراع» ساركوزي الذي تمسك بخطته، داعياً على هامش مشاركته في قمة دوفيل الأوروبية (شمال غربي فرنسا) أمس، «جميع الفاعلين (في الاحتجاجات) الى التحلي بروح المسؤولية»، ومحذراً من انه سيتخذ تدابير ل «ضمان النظام» ومنع تعطيل مصافي النفط. وأبدى الاتحاد الوطني للنقل البري قلقاً من عواقب صعوبات الإمداد بالوقود، فيما أعلن رئيس الاتحاد العام للشركات الصغيرة والمتوسطة جان اود دو مسنيل دو بويسون ان المؤسسات تعمل بوتيرة بطيئة، لأن موظفيها «بدأوا يلقون صعوبة في الوصول الى أماكن العمل». وسجِّل ايضاً تباطؤ النشاط في قطاع المطاعم والفنادق والمتاجر ومراكز الترفيه، في حين الغي عدد كبير من الرحلات الجوية في أنحاء البلاد، إضافة الى الاضطراب الكبير في حركة القطارات والشاحنات التي تعمد سائقوها التسبب في ازدحامات خانقة على محاور طرق استراتيجية. وانضم عاملون في مراكز البريد ومؤسسة «فرانس تيليكوم» وفي قطاعي الإعلام والتربية الى الإضراب، وأغلقت نحو 400 مدرسة ثانوية وعشر جامعات. وتدفق الفرنسيون بمئات الآلاف الى الشوارع في نحو 266 مدينة. وسجل في التظاهرات الباريسية للمرة الأولى منذ بدء الاحتجاجات أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي، حضور لكبار المسؤولين اليساريين، مثل الأمين العام للحزب الاشتراكي مارتين أوبري، والمرشحة السابقة للرئاسة سيغولين رويال. ولم ينفِ ساركوزي تخوفه من أن تواكب أعمال الاحتجاج تجاوزات، لكنه أعتبر ان «التجاوز الأكبر» يتمثل بعدم تطبيق خطة الإصلاح التي تهدف الى إنقاذ نظام التقاعد من الإفلاس. ويخفي هذا التصريح رهان ساركوزي على أن الاحتجاجات ستتلاشى بعد إقرار مجلس الشيوخ خطة الإصلاح، أواخر الأسبوع. لكن تصاعد الاحتجاجات امس، اظهر ان الاتحادات النقابية تمكنت من الحفاظ على مقدار ثابت من التعبئة، ما حملها على تكرار دعوتها الحكومة الى التفاوض على خطة جديدة لإصلاح نظام التقاعد. وخيّمت على باريس وعدد من المدن الفرنسية أجواء حرب عصابات متنقلة، نتيجة المشاركة الشبابية في التحرك الاحتجاجي واستغلال «مخربين» لهذه الأجواء والاندساس بين المتظاهرين، والاشتباك مع رجال أمن. وشهدت ساحة ريبوبليك وسط العاصمة، أعمال عنف على هامش تظاهرة نظمها حوالى 300 من طلاب الثانويات. وتحولت المواجهات التي تعرض خلالها عدد من السيارات للحريق وتحطمت واجهات عدد من المتاجر، الى كر وفر بين رجال الأمن والمخربين الذين انكفأوا الى الشوارع المحاذية للساحة. وشهدت مدينة نانتير قرب باريس، مواجهات استمرت نحو 3 ساعات، تمكنت الشرطة بعدها من السيطرة على الوضع، فيما اندلعت مواجهات مماثلة في منطقة لا ديفانس في ضواحي باريس. وسجلت مواجهات أخرى في عدد من المدن منها ليون، ما دفع رجال الأمن والاتحادات النقابية إلى تعزيز إجراءات الرقابة، تحسباً لأعمال عنف جديدة. وأكدت وزارة الداخلية الفرنسية اعتقال 1158 شخصاً على هامش التظاهرات منذ أسبوع.