أعلنت الخرطوم أمس أن الاستفتاء على وضع منطقة ابيي الغنية بالنفط المتنازع عليها بين شمال السودان وجنوبه، لا يمكن أن ينظم في موعده المقرر مطلع العام المقبل بالتزامن مع الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، ما رفضته «الحركة الشعبية لتحرير السودان» على لسان حاكم المنطقة دينق اروب كول الذي هدد بتنفيذ استفتاء منفصل. وأكد مستشار الرئيس السوداني للشؤون الأمنية الفريق صلاح عبدالله الذي ترأس وفد «حزب المؤتمر الوطني» الحاكم إلى محادثات أديس أبابا في شأن مستقبل ابيي، أن هناك «اتجاهاً للاتفاق على بدائل جديدة تتجاوز الاستفتاء لتجنب صدام مسلح في المنطقة»، فيما تحفظت الحكومة على نشر قوات دولية على طول الحدود بين شمال البلاد وجنوبها واعتبرت ذلك مخالفاً لاتفاق السلام ويتطلب موافقة طرفيه. وقال عبدالله خلال مؤتمر صحافي أمس: «اتفقنا على أنه لا يمكن إجراء استفتاء ابيي في التاسع من كانون الثاني (يناير) المقبل لأن عملية الاستفتاء إذا أجريت في هذا التاريخ ستواجه عدداً من المشاكل، أولها تعريف الناخب الذي يحق له التصويت». واعتبر أن السير في تنفيذ الاستفتاء «سيؤدي إلى صدام». وكشف اتفاقاً بين حزبه و «الحركة الشعبية» والمبعوث الرئاسي الأميركي إلى السودان سكوت غرايشن الذي توسط بينهما، على أن تحاول جولة المحادثات المقبلة بينهما نهاية الشهر في أديس أبابا، البحث عن بدائل أخرى للاستفتاء في أبيي، تفادياً للمشاكل التي تواجه الاستفتاء في المنطقة. وأشار إلى أن الجولة المنتهية «اتسمت بالوضوح والصراحة ووضعت قاعدة متينة للحوار بين طرفي الحكم لمناقشة التفاصيل والقضايا الكلية، لكنها انهارت بسبب الخلاف على تعريف الناخب الذي يحق له التصويت في الاستفتاء على مستقبل ابيي»، موضحاً أن «أزمة المنطقة ظلت سبباً في تعطيل الحوار بين شركاء السلام». واتهم أبناء ابيي في «الحركة الشعبية» بالوقوف وراء تعثر المفاوضات، لأنهم يملكون حق النقض في كل اتفاق. واستبعد اللجوء إلى خيار الحرب، مشدداً على الحرص على البحث عن حلول في إطار سلمي. وقال إن المبعوث الأميركي «بذل مجهوداً كبيراً اتسم بالموضوعية والحياد». وقال مسؤول ابيي في «حزب المؤتمر الوطني» السفير الدرديري محمد أحمد إن جولة المحادثات المقبلة «ستركز على الأوضاع النهائية للمنطقة». وتوقع حدوث اختراق كبير بعد تعديل هيكل الوساطة التي سيترأسها رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي والمبعوث الأميركي غرايشن برعاية رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي. لكن حاكم ابيي القيادي في «الحركة الشعبية» قال إن سكان المنطقة يرفضون إرجاء الاستفتاء على مستقبلها وقد يجرون استفتاء خاصاً بهم من دون اللجوء إلى الحكومة. وأضاف أروب أن تأخير الاستفتاء غير مقبول وسكان ابيي في انتظار إجراء الاستفتاء في التاسع من كانون الثاني (يناير) المقبل، مشيراً إلى أنه إذا لم تعطهم الحكومة هذا الخيار، فإن من الممكن «تنظيم استفتاء بأنفسهم ودعوة الأسرة الدولية إلى مراقبته». وكان شريكا الحكم السوداني أعلنا في بيان مشترك الثلثاء الماضي فشل المحادثات التي جرت في العاصمة الاثيوبية بسبب عدم اتفاقهما على معايير مشاركة الناخبين في استفتاء ابيي، «على رغم الجهود الجدية والمحادثات المثمرة». وتصر الحكومة السودانية على مشاركة قبيلة المسيرية العربية في الاستفتاء، بينما ترفض قبيلة دينكا نقوك الأفريقية وحكومة الجنوب ذلك، بحجة أن المسيرية لا تستقر في منطقة أبيي وإنما تمر عبرها لشهور بحثاً عن الماء والكلأ لماشيتها. وأكدت قبيلة المسيرية أنها لن تقبل أي حل سياسي لا يضمن مشاركة أعضائها في الاستفتاء على مستقبل أبيي. وقال زعيم القبيلة مختار بابو نمر في مؤتمر صحافي: «ارتضينا بالتفاوض وسيلة لتسوية الخلاف... قضية ابيى لا يمكن أن تحل من دون المسيرية، ولا يمكن تجاوزنا بأي اتفاقات سياسية». وحذر من خطورة محاولات إقصاء قبيلته. وقال: «إذا لم يتم التوافق على حل يرضينا، فسنتدبر أمرنا، وستكون لنا مواقف أخرى، وستتحمل الأطراف التي تسعى إلى إبعادنا مسؤولية هذا المسلك». وجدد رفض القبيلة قرار محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي في شأن حدود منطقة أبيي، معتبراً أنه «لا يصلح لحل النزاع... ولن نتعامل مع هذا القرار ولا نعترف به». أما عضو الوفد الحكومي القيادي في المسيرية عبدالرسول النور، فقال إن «المؤتمر الوطني» لم يحرض قبيلته، مؤكداً أن «المسيرية لن يقحموا السودان في حرب ودمار». وأشار إلى أنهم رفضوا اقتراحاً أميركياً بضم ابيي إلى الجنوب ومنحهم حق الرعي في المنطقة «لأنه يضع الحيوان في الدرجة الأولى والإنسان بعده... وقلنا للمبعوث الأميركي سنذبح كل أبقارنا، لكننا نريد الأرض». تحفظ عن نشر قوات إلى ذلك، تحفظت الحكومة السودانية عن نشر قوات دولية على طول الحدود بين شمال البلاد وجنوبها، واعتبرت ذلك مخالفاً لاتفاق السلام. وقال مسؤول رئاسي في الخرطوم ل «الحياة» إن الاتفاق ينص على موافقة طرفيه على أي تعديل في تفويض قوات حفظ السلام الدولية المنتشرة في جنوب البلاد وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق اللتين يشملهما اتفاق السلام، موضحاً ان مهمات البعثة تنتهي عقب الاستفتاء. وكان مسؤول أميركي بارز قال إن قوات دولية تابعة للأمم المتحدة يمكن أن تقوم بمهمة مراقبة «النقاط الساخنة» على الحدود المتوترة بين شمال السودان وجنوبه قبل إجراء الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب. وأضاف أن المجتمع الدولي يمكن أن يفرض عقوبات على السودان في حال إرجاء الاستفتاء لفترة طويلة. وأشار إلى أنه «إذا تقدم الممثل الخاص للأمم المتحدة أو الأمانة العامة باقتراح في هذا الشأن، فعلينا أن نفكر في زيادة عدد القوات الدولية في بعض النقاط الساخنة على طول الحدود لضمان وجود عازل». وأكد أن الولاياتالمتحدة تبحث في وسائل لتعزيز وتطبيق العقوبات المفروضة على السودان فضلاً عن اتخاذ إجراءات جديدة، إذا تم إرجاء الاستفتاء. وكان رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت طالب الأسبوع الماضي خلال زيارة وفد من مجلس الأمن بنشر قوات لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة على طول الحدود. وتتألف قوة حفظ السلام الأممية من 10 آلاف جندي وتراقب التزام الطرفين باتفاق السلام الشامل الموقع العام 2005 الذي أنهى عقوداً من الحرب الأهلية. وتصالح سلفاكير في الأيام الماضية مع أبرز مناوئيه، سواء في صفوف المعارضة أو الميليشيات، في سياسة انفتاح تهدف إلى إرساء الاستقرار في الجنوب قبل الاستفتاء. وذكرت وكالة «فرانس برس» أن سلفاكير تصالح مع أبرز منافسيه على رئاسة المنطقة لام أكول، كما أصدر عفواً في نهاية الأسبوع الماضي عن «المجموعات المسلحة كافة» التي تمردت على سلطته.