لا يتوقف جميل سعادة عن تنزيل صوره الشخصية التي يلتقطها بنفسه ال «سيلفي» على صفحته على «فايسبوك» كلما وجد نفسه في أماكن جميلة، أو سياحية فخمة، لدرجة يصل به الحد إلى نشر صورتين أو أربع أحياناً في اليوم. لا يشغل سعادة نفسه بالتفكير في شكل علمي بما يدفعه إلى الإغراق بهذا السلوك «الشخصاني»، غير أن كل ما يعرفه هو نشر صور له كلما وجد نفسه أنيقاً، أو في مكان أنيق، مذيلاً الصورة بمكان وجوده عندما التقطها ليراه أصدقاؤه على «فايسبوك» فيبدون إعجابهم. غير أن ناديا الخطيب ترفض فكرة الإغراق بهذة الممارسة، وتقول إنها تلجأ إليها أحياناً لتصوير لحظة هاربة من الزمن من الصعب أن تتكرر معها، ولا تريد أن تحرج نفسها كونها سيدة بأن تطلب من أي شخص تقاسم معها المكان بالصدفة ولا تعرفه أن يقوم بتصويرها. وتقول الخطيب إن التسهيلات التي منحتها الهواتف الذكية لمستخدمها حالياً، بخاصة إمكانية تصوير المستخدم نفسه «سيلفي» ممتازة، غير أنها تؤكد أنه ليس من المناسب أو اللائق أن يفرض الشخص شكله على أصدقائه كل ساعة، أو كل يوم، مشيرة إلى أن هذة الظاهرة انتشرت في شكل كبير بين مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي حتى باتت مزعجة. الاستشاري النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة أرجع الإغراق في هذة الممارسة إلى إسقاطات نقص، أو عقد لدى الشخص الذي يقوم بها. كما وصف الإغراق بهذة الممارسة أيضاً بأنه تعبير عن اضطراب نفسي وخلل يكشفان مؤشرات نرجسية تدفع الشخص إلى محاولة إظهار نفسه وفرضها على الآخرين بسبب إعجابه المفرط بنفسه. لكن مطارنة أقر بحسنات هذا السلوك إن كان متوازناً، خصوصاً عندما يشعر صاحبه بأن صورته ستشكل إضافة ما لدى المتلقي. وأضاف: «أن شبكات التواصل الاجتماعي أبرزت حالة نفسية مجتمعية أصبح من خلالها الناس يستطيعون أن يبرزوا أنفسهم في شكل سهل من دون الحاجة إلى مهارات جسدية أو ثقافية، أو التعرض للإحراج بسبب وجود جمهور يخشونه بسبب شعور دائم بالنقص لديهم». وأردف: «أن الحاجة إلى إثبات الذات تجعل الشخص يغرق في هذه الحال كلما شعر بالحاجة إلى تلقي الاهتمام فينشط في شكل لافت ليعبر عن ذاته، فهو يحاول أن يقول للآخرين إنه هنا، وإنه مهم». غير أن أستاذ علم اجتماع التنمية المشارك في جامعة مؤته الدكتور حسين المحادين، يرفض إطلاق أحكام قيمية ويكتفي بوصف هذه الظاهرة ب «العدوى الاجتماعية» مركزها الذات ومساحتها الفضاء. ويتابع أن هذه الممارسة «المدهشة» كما أسماها، من «أعراض تحول مجتمعاتنا النامية نحو نموذج العولمة بنسب متفاوته». ويشرح محادين نشوء هذة الظاهرة بأنه ولفترة طويلة كان المجتمع مرتبطاً بقيم الجماعة في شكل أساس، غير أن مع دخول وسائل الاتصال الحديثة سواء التعبيرية منها أو البصرية، بات «لدينا ما يسمى بثقافة الصورة، وأوجد لدينا القيم الفردية تزاماً مع التكنولوجيا ومصاحبات العولمة». بالتالي يقول محادين: «نجد أن بث هذه الرسائل، أو الصور الشخصية يحمل معنى الاستعاضة عن الغياب السابق للأشخاص، الأمر الذي لم يكن متاحاً كما هو الآن». ولعل التعليقات التي ترد بصور متبادلة تعزز استقرار هذة السلوكيات على صفحات «فايسبوك» تحديداً، كونه الأكثر شعبية والأكثر انتشاراً وسهولة بالتعامل. وزاد: «أن هناك الكثير من الصور المصاحبة للصور الشخصية، وتحديداً الأمكنة التي يشار إليها عند نشر مثل هذه الصور، يمثل ثقافة مطلوبة للقارئ أو المشاهد، كونها تحمل تفاصيل الخطاب اليومي للحياة، خصوصاً ما هو مرتبط منها بالأماكن الريفية والطبيعية الجميلة.