الصورة «الرسمية» المعتمدة لخطبة «زهوة» و «مصطفى» على صفحتيهما «سيلفي». والصورة الشخصية المثبتة أعلى السيرة الذاتية المقدمة من «سامح» إلى الشركة «سيلفي». والتحديث الأخير ل «حسام» مقدم البرنامج على صفحته هي «سيلفي» مع مرشح رئاسي محتمل. أما اللقطة المرسلة من «نادية» إلى والديها من أمام برج إيفل حيث تزور عاصمة النور فهي «سيلفي» كذلك. من «سيلفي» احتفالي إلى «سيلفي» اكتئابي إلى ثالث على سبيل التحدي والعناد، جميعها يؤدي إلى تسجيل موقف شخصي لأحدهم أو إحداهم قرر أو قررت أن يكون أو تكون وحده أو وحدها المتحكم والمتحكمة في كيف يريد وتريد أن يبدو وتبدو. ويبدو أن أحدث سبل التعبير الواقعي عن الفجوة بين الأجيال والأزمة بين الأزمنة تتبدى في «سيلفي» حيث تظهر استقلالية على رغم أنف السيطرة، وانتقائية بغض النظر عن المفروض، ومسؤولية حتى وإن جاءت النتيجة مفزعة أو صادمة أو حتى قبيحة. وحين التقطت «نادية» صورة شخصية لنفسها بهاتفها المحمول وهي تقف أمام برج إيفل في باريس وأرسلتها إلى أمها تلقت رداً آنياً يحمل القليل من الود والكثير من انتقاد زاوية التصوير ومعارضة اختيار المكان والمطالبة بالاستعانة بمصور اختصاصي لا يجعلها تبدو مثل «أوءة» في مسلسل الأطفال القديم «أوءة وبسة» وإن تعذر ذلك، فعليها أن تطلب من أحد المارة تصويرها بدلاً من هذه ال «سيلفي» القبيحة. وبعيداً عن المراسلات العنكبوتية التي ظلت تنتهج نهج «ذهاب إياب» بين باريس والقاهرة حول «سيلفي» نادية القبيح – الجميل، الذي لن يعجب أحداً – لا يهم من يعجبه أو لا يعجبه- تسري الصور ال «سيلفي» سريان الهاشتاغ على «تويتر» وكذلك ال «لايك» على «فايسبوك» وأيضاً ال «شير»، والنار في الهشيم. هشيم الآباء والأمهات والخبراء والاختصاصيين والخبراء والأكاديميين من زمن ما قبل ال «سيلفي» أدى إلى مكالمات عقيمة وأسئلة لا إجابات لها حول أسباب انتشاره، وهل هو ظاهرة حميدة أم خبيثة، وكيفية مواجهته أو التعامل معه، وهل هو خير مطلق أم شر مطبق. إجابات مهلهلة وردود مبعثرة يعكس بعضها خوفاً من المجهول، والبعض الآخر تمسكاً بالمأهول، ويؤكد الجميع ميلاً إلى الرفض والتنديد عادة الكبار في ما يواجهونه من إبداعات الصغار، لا سيما تلك المتسمة بالتعقيد أو المرتبطة بانفراد الصغار بالساحة دوناً عن الكبار فارضين قواعدهم وباسطين قوانينهم ورافضين صور الاستوديو حيث الأكف المتشابكة والنظرات المحلقة والملامح المتحجرة. وبين أستاذ الطب النفسي الذي سكت برهة ثم طلب تفسيراً بالمقصود ب «سيلفي»، وخبير علم الاجتماع الذي لف ودار وصال وجال عن الإنترنت وشروره وال «فايسبوك» وجنونه و«تويتر» ومجونه قبل أن يستفسر إن كانت ال«سيلفي» هذه «فايسبوك» أو «تويتر» لتكون إجابته أكثر دقة، والأم التي صبت غضبها وعبرت عن قلقها من حكاية ال «سيلفي» التي ستفتح باب انفصال جديد بين الأهل والأبناء، وتطرح المزيد من الأخطار حول شرف البنات وانعدام الأخلاق، وأستاذ اللغة العربية المحنك الذي قتل ال «سيلفي» في مكمنها معلناً إياها تغريباً ذميماً ورافضاً معناها رفضاً شديداً و «يكفي إن الكلمة نفسها لا مرادف لها في العربية بل الأدهى من ذلك إنها تسبب لبساً في المعنى وخلطاً في المغزى»، تراوحت مواقف أبناء المدرسة ال «سيلفية» وشباب الصورة الذاتية وصبايا الزوايا غير التقليدية في هذه الصور الشخصية التي غزت العالم الافتراضي غزواً ضارياً بين تقليل من شأن المعنى ورفض لتفسيرات المغزى. المغزى من ال «سيلفي» هي نفسا المغزى من التعبير عن الرأي أو الموقف أو الحالة. سلمى (16 سنة) تصف ال «سيلفي» بصورة تلتقطها لنفسها بزاوية أو تعبيرات وجه تقرر أن ترسلها للعالم الخارجي. ومحمود (15 سنة) يراها صورة لا تعني سوى صاحبها، «وعلى من لا يعجبه الشكل أو تعبيرات الوجه أو الزاوية» ألا يمعن النظر فيها من الأصل». كل من تحدث عن «سيلفي» من جانب الشباب والشابات تحدث بإيجابية لا تخلو من ربط الفكرة بالحرية الشخصية والاستقلالية الفردية مع التلميح بإن كل «سيلفي» هي ملك صاحبها فإن لم تعجب الآخرين، فعليهم البحث عن مشاعر الإعجاب في مكان آخر. القلة القليلة من الأجيال الأصغر التي تحدثت عن «سيلفي» بنوع من السلبية وشكل من النقدية هي تلك البعيدة عن عالم التقنيات الحديثة أو الرافضة للاستخدامات العديدة لها إما بدافع عدم المعرفة، أو كلاسيكية الفكر، أو الحرام. تحريم ال «سيلفي» لم يصل بعد إلى دوائر التشدد الديني لسبب واحد ألا وهو عدم وصول الفكرة أصلاً بحكم حداثتها النسبية، لكنها تظل تتعرض للشد والجذب بين الكبار الذين لا يرى أغلبهم فيها إلا قرباً زائداً يجعل الأنف يبدو مهولاً أو قبحاً زائفاً يسعى رغبة «المراهق» في التعبير عن مشاعر الرفض، أو تفاهة مفرطة أو فراغاً يمكن ملؤه بممارسة الرياضة أو التواصل مع الأهل أو مذاكرة الدرس من جهة وبين الصغار الذين يتعاملون مع ال «سيلفي» باعتبارها موضة خاصة بهم أو ظاهرة لا شأن لأحد بها سواهم أو طريقة يعبرون بها عن أنفسهم سلباً أو إيجاباً، فرحاً أو حزناً، سعياً للحصول على فايفوريت» أو رفضاً لكل ما هو مفروض. «مفروض أن تنسي حكاية السلفي هذه تماماً. مفهوم؟!» «حاضر ماما But first let me take a selfie (لكن دعيني أولاً ألتقط «سيلفي»)! «ماما» تكره ال «سيلفي» لأنها لا تفهمها ولأنها لا تعترف بالصور إلا تلك التي يلتقطها الاستوديو المحترف حيث المصور العتيق والزوايا الأعتق، و «نور» تعشق ال «سيلفي» لأنها صور حرة طليقة حيث لا قواعد مسبقة أو قوانين ثابتة، ولأن ال «سيلفي» تضايق ماما وتعكر عليها صفو كلاسيكيتها، ولذا فهي تغني بعلو الصوت أغنية «لكن دعني أولاً ألتقط سيلفي»!