لعقود مضت كان هناك تعبير يستخدم لمن يكون خلف حدث ما لكنه لا يظهر فيه، «من خلف الكاميرا»، كانت هذه الجملة تعبر عن جهد جندي مجهول عمل على إنجاح ما تكفّل به، لكنه لم يكن البطل الذي يظهر أمام الناس لينال الاستحقاق الذي عمل من أجله. لكن ماذا عن هذه الجملة اليوم، «من خلف الكاميرا»؟ أصبحت «من أمام الكاميرا». الجهد لم يعد خفياً. قد تأخذ صورة جميلة لبرج حديث في مدينة الرياض، وتظهر فيها، ويعرف الناس الصورة والمصور. غزت مفردة «سيلفي» الجديدة مواقع التواصل الاجتماعي، وعرفها البعض بال «الذاتية»، وحاول البعض الآخر تفسيرها، والبحث في أعماقها، وبدأت المواضيع الصحافية في كبريات الصحف العالمية تسأل عنها، وشارك الأطباء النفسيون في إبداء آرائهم فيها، هل هي أنانية، وحدة، أم حب للذات ازداد بعد أن أصبح أحدنا يتحاور مع هاتفه المحمول أكثر من أحبائه القريبين منه؟ تعتقد الطالبة الجامعية في السنة الثالثة تخصص الفنون الجميلة، نهى، أن صور ال «سيلفي» فعل قديم لاسم جديد، إذ تقول: «كنا دائماً من نبحث عمن يصورنا مع منظر جميل، أو مع شخصية شهيرة قد نقابلها صدفة في مكان عام»، لكن زميلتها في التخصص سحر تخالفها الرأي، إذ تؤكد أن الإنسان أصبح مهووساً بنفسه أكثر من أي عصر سابق، «الإنسان اليوم أصبح ينسى من حوله، بمجرد أن يرفع هاتفه إلى أعلى ويفتح كاميرته، لا يرى إلا عينيه وأنفه وتقاسيم وجهه ويتعامل معها في كل مرة وكأنه يراها لأول مرة». وتجد اختصاصية النشر والتسويق في إحدى الشركات الخاصة في الرياض أسماء، أن صور ال «سيلفي» وجدت رواجاً كبيراً في أوساط الشباب: «الشخص لم يعد يحتاج أن يبحث عمن يلتقط له صورة ويعيد ذلك حتى يقتنع، فالموضوع أصبح أسهل بكثير عندما التقط لنفسي الصورة سألتقطها بالطريقة التي أحب ولن أحتاج إلى التصوير عشرات المرات من أجل صورة واحدة» وتعتقد أن استخدام هذه الطريقة في التسويق أمر سيلقى نجاحاً كبيراً «لو استخدمت الشركات المسوقة المشاهير والأفراد للإعلان عن منتجاتهم باستخدام صور ال «سيلفي» سيكون الإعلان أكثر عفوية وترتفع درجة مصداقية الإعلان كما أن التكلفة المادية ستقل». وأوضحت أن ذلك يتم ب «تواجد الشخص كثيراً في مكان معين أو تناوله باستمرار لمشروبات أو طعام معين أو استخدامه لأي منتج بطريقة بسيطة عفوية فعندما يشاهد الأشخاص المنتج كثيراً ستتكون صورة ذهنية لديهم بعيداً عن صور الإعلانات المباشرة» واستدركت قائلة: «ولكن على الشركات الحرص في استخدام هذه التقنية وذلك بعدم تحويل الصور من عفويتها إلى تصنع لإظهار المنتج بطريقة مباشرة». وتؤكد الاختصاصية النفسية مها الحبيب أن انتشار ما يسمى بصور ال «سيلفي» بين الشباب أمر طبيعي لا يجب القلق منه وتُرجع ذلك إلى «انتشار التطبيقات المتخصصة بالصور إذ وجد الأشخاص طريقة أسهل وأسرع لمشاركة يومياتهم ولحظاتهم بتصوير أنفسهم من دون الحاجة إلى وجود شخص آخر يصورهم، وساهم ذلك في جعل الصور أكثر بساطة وبعيدة جداً عن التكلف الذي رافق بداية انتشار تطبيقات الصور المختلفة»، وفي ما يخص المشاهير واستخدامهم لهذه الطريقة في التصوير أكدت الحبيب «أن تصوير المشاهير أنفسهم ساعد في انتشارها بصورة سريعة في أوساط المراهقين وتعدى ذلك ليصل استخدام صور ال «سيلفي» إلى أوساط الشخصيات الكبيرة والأساتذة والأمهات والآباء وذلك لما تتسم به الصور من عفوية وطرافة جعلها الأقرب والأسرع انتشاراً بين كافة الأعمار»، وحذرت من نشر تلك الصور بطرق غير مقننة «قد يساء استخدامها من قبل الأشخاص الآخرين خصوصاً صور الفتيات لذا عليهن الحرص وعدم نشر صورهن في كل مكان وبثقة كبيرة بالآخرين حتى وإن كن فتيات».