أعلنت السلطات المصرية أن التحقيقات في تفجير الكنيسة البُطرسية الذي قُتل فيه 25 شخصاً وجُرح نحو 50 آخرين «أثبتت وجود علاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وفرع تنظيم داعش في سيناء»، متهمة قياديين من «الإخوان» مقيمين في قطر بتدبير الهجوم. وقالت وزارة الداخلية إن «عناصر الإخوان في قطر كلفوا مؤسس الخلية التي نفذت الهجوم الانتحاري بالتواصل مع عناصر في تنظيم أنصار بيت المقدس» الذي بايع تنظيم «داعش» وغير اسمه إلى «ولاية سيناء»، في إطار التمهيد لتنفيذ هجوم يستهدف الأقباط. وهذا الإعلان هو الأول الذي يشير صراحة إلى علاقات أو اتصالات بين عناصر في «الإخوان» والتنظيم المتشدد في سيناء. وضربت موجة من التفجيرات القاهرة في الشهور الماضية، أعنفها هجوم الكنيسة البطرسية الذي تم بواسطة انتحاري فجر نفسه بحزام ناسف، وهو أول هجوم يستهدف مدنيين حصراً منذ موجة العنف التي اندلعت في أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 تموز (يوليو) 2013. وتبنت مجموعات مسلحة يُعتقد بأنها مرتبطة بجماعة «الإخوان» غالبية تلك الهجمات، لكنها نأت بنفسها عن هجوم الكنيسة، وتلك المجموعات أسسها على الأرجح القيادي في «الإخوان» محمد كمال الذي قتلته قوات الأمن قبل أسابيع في مداهمة، وبعدها نُفذت سلسلة من التفجيرات. ولندرة المعلومات لم يكن في إمكان الخبراء تحديد علاقة بين تلك المجموعات وتنظيم «داعش» في سيناء، لكن وزارة الداخلية أشارت بوضوح للمرة الأولى إلى تلك الاتصالات. وأوقفت وزارة الداخلية عشرات سعوا إلى التسلل إلى سيناء للانضمام إلى «داعش»، وآخرين حاولوا الإفلات من شبه الجزيرة إلى الوادي لتنفيذ هجمات. وقالت وزارة الداخلية إن الهجوم الذي نفذه الأحد انتحاري يُدعى محمود شفيق محمد مصطفى «دعمته مالياً ولوجيستياً قيادات في الإخوان تُقيم في قطر، قامت بتجنيد طبيب يُدعى مهاب مصطفى السيد قاسم (فار)، يُقيم في القاهرة، وسافر إلى قطر العام الماضي، وبعدما أُقنع بتنفيذ عمليات إرهابية بدعم مالي ولوجيستي من الجماعة، عاد إلى مصر، وكلفته الجماعة بالتردد على محافظة شمال سيناء، وهناك تواصل مع كوادر إرهابية فارة من عناصر تنظيم أنصار بيت المقدس، للتدرب على استخدام السلاح وتصنيع المتفجرات، وبعد مقتل القيادي في الإخوان محمد كمال، كلفته قيادات الجماعة في قطر بالبدء في الإعداد والتخطيط لعمليات إرهابية تستهدف الأقباط بهدف إثارة أزمة طائفية واسعة» من دون إعلان صلة الجماعة بها. وأضافت أن «قاسم بدأ بتشكيل مجموعة من التكفيريين، بينهم الانتحاري محمود شفيق، ودرّبهم في أحد الأوكار في حي الزيتون في القاهرة». وأوضحت وزارة الداخلية أنه «بعد تفجير الكنيسة تم جمع أشلاء الضحايا، واشتبه خبراء الأدلة الجنائية ببقايا جثمان اتضح أنه للمتهم الفار محمود شفيق الذي يشير سجله إلى ارتباطه بإحدى الأسر التابعة لجماعة الإخوان في الفيوم وكان مكلفاً بتأمين مسيرات الجماعة باستخدام أسلحة نارية وتم توقيفه وفي حوزته سلاح آلي في آذار (مارس) 2014، وأطلق سراحه بعدها بشهرين، ثم تم ربطه بإحدى البؤر التكفيرية، وتطابقت الأشلاء في موقع الهجوم مع البصمة الوراثية لأسرة شفيق». وأشارت الوزارة إلى أن قوات الأمن «دهمت وكر تلك الخلية بعد ربط المعلومات وتجميعها، وتم ضبط حزامين ناسفين مُعدّين للتفجير وكمية من الأدوات والمواد المستخدمة في تصنيع العبوات المتفجرة، وتوقيف 4 أشخاص هم رامي محمد عبدالحميد وهو المسؤول عن إيواء الانتحاري الذي نفذ الهجوم وتجهيزه وإخفاء المواد المتفجرة والأحزمة الناسفة، وزوجته علا حسين محمد التي تولت الترويج للأفكار التكفيرية على وسائل التواصل الاجتماعي ومساعدة زوجها في تغطية تواصلاته على شبكة المعلومات الدولية، ومحمد حمدي عبدالحميد وتولى تقديم الدعم اللوجيستي وتوفير أماكن اللقاءات التنظيمية لعناصر الخلية، ومحسن مصطفى السيد، وهو شقيق مؤسس الخلية وكان يتولى نقل التكليفات بين شقيقه وعناصر التنظيم والمشاركة في التخطيط للعمليات، وكلهم مقيمون في القاهرة». ووفق معلومات «الحياة»، فإن خبراء الأدلة الجنائية الذين حددوا موقع الهجوم جمعوا أشلاء الضحايا، وكانت غالبيتها لجثث مكتملة، وبعضها مبتورة أجزاء فيها لكنها واضحة المعالم، إلا جثمان واحد لم يُعثر منه إلا على رأس وجزء من القدمين، فيما بقية الجثمان لا أثر لها في موقع الهجوم، ما رجح فرضية الهجوم الانتحاري. وجُمعت أشلاء الرأس لإظهار ملامح الوجه، وبمضاهاتها بمعرفة الخبراء الفنيين من خلال برامج إلكترونية ظهر أنها أقرب إلى وجه محمود شفيق، وشقيقه الأكبر موقوف بتهم بينها الانتماء إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، فأُحضر من محبسه، وتم توقيف شقيقه الأصغر من منزله في الفيوم وأخذ عينات من الاثنين لمضاهاتها بالبصمة الوراثية لجثمان الانتحاري المُحتمل، ولما ثبت تطابقها، تأكد أن الهجوم انتحاري ومن خلال تتبع سجل مكالمات الهاتف الذي دأب شفيق على الاتصال منه بأسرته أمكن الوصول إلى مقر المجموعة. وأفرجت وزارة الداخلية عن تسجيل مصور من كاميرا مراقبة مواجهة للكنيسة البطرسية يرصد لحظة تفجيرها، ويظهر فيه شاب يدخل الكنيسة مُسرعاً، وبعد ثوانٍ يهز الانفجار جدران الكنيسة. لكن التسجيل لم يظهر ملامح منفذ الهجوم. وأكدت مصادر على صلة بالتحقيقات أن تسجيلات أخرى في حوزة النيابة العامة يظهر فيها بوضوح وجه محمود شفيق، وأن هدف نشر هذا التسجيل تأكيد أن السلطات تملك أدلة تؤكد إعلانها تفاصيل الهجوم. واعتبر خبراء أن «الهجوم الأخير يشير إلى تطور خطير في استراتيجية جماعات العنف في قلب القاهرة». واعتبر الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» أحمد كامل البحيري أن «ندرة المعلومات التي تعلنها السلطات تحد من القدرة على رسم صورة واضحة لبنية تلك الجماعات»، لكنه أشار إلى أن «الهجمات الأخيرة كشفت تكوين مجموعات مسلحة في الدلتا والوادي تقع في منطقة وسط بين ما يُعرف بمجموعات العنف العشوائي أو الذئاب المنفردة، وبين التنظيمات الكبرى التي تنشط غالباً في شمال سيناء مثل فرع داعش». ولفت إلى أن «الصلة التي أُشير إليها بين مجموعات العنف العشوائي وداعش أسفرت عن تشكيل تلك المجموعات التي تتمثل خطورتها في أن هجماتها ستكون أكثر تأثيراً وصدى عن الهجمات التي تتم في شمال سيناء»، موضحاً أن «التماهي بين الطرفين بان أثره في التغير الذي طرأ على لائحة أهداف المجموعات التي تعمل في القاهرة، لجهة استهداف مدنيين للمرة الأولى منذ تفجر العنف، وربما السياحة في مرحلة لاحقة».