كشف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هوية منفذ الهجوم على الكنيسة البطرسية في حي العباسية في قلب القاهرة أول من أمس، والذي راح ضحيته 25 قتيلاً وعشرات الجرحى، فيما حاولت الدولة ترضية الأقباط واحتواء غضبهم الذي ظهر في تظاهرات أمام الكاتدرائية المرقسية في العباسية وأمام كنيسة السيدة العذراء في حي مدينة نصر، حيث أقيم القداس على جثث القتلى. وأوضح السيسي في ختام جنازة رسمية لتشييع قتلى الهجوم الإرهابي أن الاعتداء نفذه انتحاري يُدعى محمود شفيق محمد مصطفى (22 سنة)، وأن السلطات أوقفت متورطين هم ثلاثة رجال وامرأة، وتبحث عن اثنين آخرين. وترأس بطريرك الأقباط البابا تواضروس الثاني قداس الصلاة على جثامين الضحايا، مطالباً في كلمته المسيحيين ب «الحفاظ على الوحدة الوطنية، والصلاة من أجلها»، وحضّ أهالي الضحايا على «الحفاظ على النظام خلال الجنازة لنقل صورة حضارية عن مصر». وبدا البابا متأثراً خلال القداس وظهر مُنهكاً. وقال: «قدر كنيستنا المصرية أن تقدم الشهداء ونسميها كنيسة الشهداء وهي تسمية في القرون الأولى. نتألم لانتقال هؤلاء الأحباء في الحادث الذي ارتكبه من تخلوا عن الإنسانية والمشاعر وآذوا الوطن، والمصاب ليس في الكنيسة بل لكل مصر... من فعل ذلك لا ينتمي إلى مصر على الإطلاق ولا إلى تاريخها وحضارتها». ونقلت فرق كشافة الكنيسة التوابيت التي تحمل جثامين الضحايا ملفوفة بأعلام مصر تكللها الورود، وسط زغاريد بعض ذويهم وبكاء آخرين، إلى سيارات إسعاف نقلتها إلى منطقة المنصة في حي مدينة نصر، حيث أقيمت جنازة رسمية تقدمها الرئيس السيسي وكبار قيادات الحكومة والجيش والقضاء والبرلمان. وحمل جنود في الجيش الجثامين وأشرف الحرس الجمهوري على تأمين الجنازة الرسمية التي شارك فيها ممثلون عن ذوي القتلى. وتقدم السيسي الجنازة التي عزفت فيها الموسيقى العسكرية، قبل أن يتلقى بطريرك الأقباط وقيادات الكنيسة وأهالي الضحايا العزاء من الرئيس وكبار المسؤولين، ثم وضعت الجثامين في سيارات الإسعاف لتوارى الثرى. وقال الرئيس في كلمة قبل مغادرته موقع الجنازة إن من نفذ الهجوم شخص يُدعى محمود شفيق محمد مصطفى «فجر نفسه داخل الكنيسة»، مشيراً إلى توقيف 3 رجال وامرأة على صلة بالهجوم، فيما لا يزال اثنان فارين. وأوضح أن الأجهزة الأمنية جمعت جثة الانتحاري الذي «نفذ الهجوم بحزام ناسف». وقال إن «العزاء لكل المصريين، والمصاب مصابنا جميعاً... ما حدث محاولة لإحباطنا». وأشار إلى «محاولات عدة مستمرة منذ ثلاث سنوات لهز مصر، منها استهداف للاقتصاد واستهداف الأمن بالإرهاب ومنع السياحة وتدمير 75 كنيسة». وقال: «لن نترك ثأرنا». ودافع عن أجهزة الأمن في مواجهة موجة من الانتقادات وجهت إليها بسبب تفجير الكنيسة التي تلاصق الكاتدرائية الخاضعة لإجراءات أمنية مُشددة. وقال: «أنتم لا تعرفون حجم النجاح الذي حققناه في مواجهة الإرهاب. لا تعرفون حجم النجاح المُحقق في سيناء. حجم كبير جداً ونجاح كبير جداً. لا يجب أن تقولوا أبداً إنه (هجوم البطرسية) خلل أمني». وأظهر البابا تأييداً لحديث الرئيسي، وقال: «لا أبداً». وتابع السيسي: «بإمكاني اتخاذ قرارات تُريحكم (في إشارة على ما يبدو إلى مطالب بإقالة وزير الداخلية)، لكنني أتعامل بصدق وأمانة. نرى ماذا يجب أن نفعل، ونفعله. ما حدث ضربة إحباط. ضربة تدل على إحباطهم. هم لن يستطيعوا إحباطنا، لا بد من أن ننتصر لأننا أهل خير ولسنا أهل شر، أهل بناء وليس هدم». وشدد على أن بلاده «ستنجح في الحرب على الإرهاب». وشكر بطريرك الأقباط الرئيس وقيادات الدولة والجيش والشرطة على «هذا التكريم الذي قدمته الدولة على أعلى مستوى». وقال: «بالنسبة إلى الأحباء الذين استشهدوا، فهذا التكريم هو أعلى تقدير تقدمه الدولة، والفضل للرئيس والمسؤولين والقيادات. هذا التكريم هو سبب تعزية كبيرة لنا جميعاً، وأعلم أن المصاب ليس مصابنا في الكنيسة فقط ولكن مصاب كل المصريين». وكان السيسي عقد اجتماعاً حضره رئيس الوزراء شريف إسماعيل ووزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي ووزير الداخلية مجدي عبدالغفار ومدير الاستخبارات الحربية ورئيس هيئة الأمن القومي ورئيس جهاز الأمن الوطني في وزارة الداخلية، وهى أبرز أجهزة أمنية معلوماتية. وقال الناطق باسم الرئاسة علاء يوسف إن «الرئيس تلقى خلال الاجتماع تقريراً عن ملابسات الهجوم الإرهابي وما توصلت إليه الأجهزة الأمنية من أدلة من واقع معاينة موقعه، وما تقوم به من جهود في سبيل الوصول إلى مرتكبيه». وأشار إلى أن «الرئيس أكد ضرورة مضاعفة الجهود من أجل سرعة القبض على مرتكبي الهجوم وتقديمهم إلى العدالة في أسرع وقت، مشدداً على أن الدولة عازمة على القصاص لضحاياه الأبرياء». وعرض الاجتماع آخر المستجدات على صعيد تطور الأوضاع الأمنية في البلاد، واطّلع الرئيس على «تقرير عن الإجراءات التي يقوم بها الجيش والشرطة لمكافحة العناصر والخلايا الإرهابية في مختلف أنحاء الجمهورية وترسيخ الأمن والاستقرار فيها». وأعلنت الشرطة الاستنفار في كل أنحاء الجمهورية وجرت اجتماعات على أعلى مستوى لمراجعة خطط تأمين المنشآت والشخصيات العامة. ولم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، فيما تبرأت منه مجموعات مسلحة نفذت عمليات في محيط القاهرة يعتقد أن قوامها الرئيس مكون من أعضاء في جماعة «الإخوان المسلمين»، خصوصاً حركة «حسم» و«لواء الثورة»، وقالتا إنه ليس من أدبياتهما استهداف مدنيين. وقال ل «الحياة» الخبير في وحدة الحركات الإسلامية في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» أحمد كامل البحيري إن «هذا الهجوم يُحاكي نمط العمليات التي اعتادتها تنظيمات القاعدة والجماعة الإسلامية والجهاد في مصر، وهي هجمات تحمل نمط استهداف المجتمع». وأوضح أن «تنظيم أجناد مصر ولجان الإخوان النوعية مثل حسم ولواء الثورة لم تقم بعمليات لها علاقة بمدنيين مجمل هجماتها مرتبطة بقوات أمن أو استهداف لشخصيات عامة قريبة من الدولة، وهذا لا يعني أن تلك التنظيمات لم تتورط بالضرورة في هذا الهجوم ولا يعطي مدلولاً أنها لم تقم به، فربما نفيها تنفيذه مناورة، لكن هذا معناه أن تورطها أو تورط غيرها سيكون تغيراً في الاستراتيجيات لدى بعض التنظيمات التي خرجت من عباءة الإخوان وتحولاً فكرياً في الأهداف وطبيعة العمليات... هناك جماعة تتشكل الآن أو تشكلت هي أقرب إلى التنظيمات الإسلامية في التسعينات تُحدد أهدافها على أسس مجتمعية». واعتبر أن هذا الأمر «مؤشر خطير يستدعي تطوراً أمنياً يُركز على تطوير التنسيق بين الأجهزة المعنية بجمع المعلومات».