قلت غير مرة إن وزارة الشؤون الإسلامية تشهد نقلات نوعية في أدائها، وجاء أحد الأدلة الإثنين الماضي على صدر الصفحة الأولى من الزميلة «اليوم» في خبر تفريغ 140 ألف موظف حكومي للعمل أئمة أو مؤذنين. وقلت مرة واحدة إن حل إشكال البطالة، وسَعودة القطاع الخاص يبدآن من ترتيب بعض الأوضاع الحكومية لجهة التوظيف والتعاقد، وها هي الوزارة تخطو خطوة أعتقد أنها ستنجح في تطبيقها، وهي ستفعَّل عاجلاً أو آجلاً بعد تخطي بعض «المقاومة» الصامتة والداخلية التي تواجهها أحياناً، مثلما حدث في قضية مكبرات الصوت. الأمر في غاية البساطة، هذه وظائف مدفوعة الأجر، وهي وظائف لها طبيعة خاصة، إذ إن الإمام والمؤذن مرتبطان بخمسة أوقات ثابتة يومياً، والمؤذن أصعب حالاً من الإمام، لكن الإمام أكثر مسؤولية، فلا يعقل أن يمسك بزمامها المعلمون والموظفون والعسكريون الذين هم موظفون أيضاً ويتقاضون راتباً. تخيل أن 140 ألف وظيفة ستصبح متاحة للعاطلين من خريجي الشريعة، وعلوم القرآن، والحديث، ومن حفظة كتاب الله أياً كان تخصصهم، ألن يخفف هذا من كاهل الرقم الذي تئن به نسبة البطالة؟ ومن الجهة المقابلة ألن يخلق ثباتاً في المساجد، والأهم أنه سيقطع الطريق على متطوعين يقومون بأداء العمل عن المتغيبين في وظائفهم، ويكتسبون مكانة اجتماعية يستثمرها بعضهم في أمور كثيرة؟ يجب أن نعترف أن هاتين الوظيفتين يرغب فيهما كثير من طلبة العلم، ومن الزاهدين في زخرف الدنيا، ومن الراغبين في خدمة بيوت الله، ومجتمعهم، كما أنهما تحظيان بالقبول الاجتماعي من جميع أطياف المجتمع على كثير من الأصعدة. أيضاً، أظن وأتمنى أن ظني خارج «بعض» الإثم، أن بين العاطلين كثيراً من الشباب الملتزمين، وفي احتوائهم في وظائف رسمية توفر الأجر والمسكن المجاني والمكانة الاجتماعية، وتتيح فرص التناغم مع مجتمع الحي، تقليلٌ من فرص استقطابهم إلى جماعات أو أفكار محلية وخارجية عرفنا جميعاً أنهم أبعد ما يكونون عن الإسلام. بقي أن تحاول الوزارة أن تكون هذه الوظائف رسميةً أي على التقاعد أو التأمينات، وإذا استدعى الأمر الاتكاء على بعض أموال الأوقاف أو إيراداتها، وهنا تحتاج إلى عون و«تفهم» وزارة المالية، لأن من سيتفرغون سيحتاجون إلى ذلك وسيحتاجون إلى سلم أجور معقول، وعلاوات سنوية. إمام المسجد أو المؤذن غالباً ما يستطيعان العمل في مدرسة تحفيظ القرآن التابعة للمسجد، وهذه ينبغي أن يكون لها أجر خاص، وهو يعمل كمأذون أنكحة، ويمكن للأجيال الجديدة أن تمارس بعض الأعمال عن بعد، ولكن يجب تنفيذ قرار عدم الجمع بين وظيفتين بأجر من الحكومة، لعل هذه القدوة تمتد إلى كثير من القطاعات والهيئات، وترتفع إلى بعض المسؤولين الذين يجمعون كراسي عدة، مؤخرين دورات الدماء الجديدة، وحارمين كثيرين من فرص العمل والترقي. [email protected]