وصف متخصصون في الشأن الأمني، «الخلية التجسسية» التي تم إغلاق ملفها مساء أول من أمس ب«الأخطر» و«غير المسبوقة»، وذلك لتعدد الجرائم التي أدين متهميها بها، واستهدافها أمن المملكة بمنشآتها المتعددة، العسكرية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، لافتين إلى أن القضية التي تعود تفاصيلها إلى نحو أربعة أعوام، بالقبض على 32 شخصاً تعد «الأضخم» في قضايا التجسس الأمني والإرهاب. ولفت المختصون إلى تعدد التهم التي أدين بها عناصر الخلية، إذ شملت قائمة التهم التي ثبتت إدانة عدد من عناصر الخلية بها تكوين الخلية بالتعاون والارتباط والتخابر مع عناصر من المخابرات الإيرانية، وذلك بتقديم معلومات في غاية السرية والخطورة في المجال العسكري تمس الأمن الوطني للمملكة ووحدة وسلامة أراضيها وقواتها المسلحة، وإفشاء سر من أسرار الدفاع، والسعي لارتكاب أعمال تخريبية ضد المصالح والمنشآت الاقتصادية والحيوية في البلاد، والإخلال بالأمن والطمأنينة العامة، وتفكيك وحدة المجتمع، وإشاعة الفوضى وإثارة الفتنة الطائفية والمذهبية، والقيام بأعمال عدائية ضد السعودية. وأوضح الباحث المختص في الشؤون الأمنية حمود الزيادي ل«الحياة»، أن «خلية التجسس الإيرانية» المحاكمة أخيراً تعد الأكبر من بين القضايا ذات الصلة وغير مسبوقة، بالنظر إلى الأهداف التي كانت تستهدفها (قواعد عسكرية، منشئات أمنية، مرافق اقتصادية)، إضافة إلى تخطيطها الاستهداف على المستوى الاجتماعي، وذلك بمحاولة إثارة القلاقل وتمزيق الوحدة الوطنية عبر تفجير البعد الطائفي والمذهبي، مؤكداً أنه استهداف وعمل ممنهج من الاستخبارات الإيرانية. وقال: «كان واضحاً من خلال محاضر التحقيق والأدلة أن السفارة الإيرانية كانت (وكراً) لإدارة هذه الشبكات على مدار سنوات طويلة، وذلك عبر ضباط استخبارات إيرانيين، إضافة إلى عناصر في السفارة، والذين بدورهم يهيئون لهذه المهمة بالتنسيق مع المجندين والجواسيس للالتقاء لعمل الترتيبات المختلفة، عبر تدريبهم على التخفي واستخدام الأجهزة المختلفة لتحقيق أهدافهم». وتابع: «العمل كان مُداراً من الاستخبارات الإيرانية على مدى سنوات، والدليل أن منهم من عمل لأكثر من 10 سنوات من خلال هذه المنظومة بناءً على الاطلاع على محاضر التحقيق، والتي أكدت استهداف الأمن السعودي من النظام الإيراني، الذي لم يراعِ أي اعتبارات دبلوماسية أو سياسية، بل كان هناك استهداف ممنهج للأمن السعودي، من طريق العمل على ملفات عدة، شملت البعد العسكري والأمني والاقتصادي والاجتماعي ومحاولة استثمار البعد الديني لإثارة القلاقل في المملكة». وأوضح الزيادي، أن النظام الإيراني بمؤسساته المختلفة استهدف المملكة على مدى سنوات طويلة، ولم يكن هناك أي رغبة من قبلهم على أن تكون هناك علاقة جيدة وجيرة حسنة مع المملكة ودول الخليج. من جانبه، وصف الخبير الأمني عضو لجنة المناصحة الدكتور محمد السعيدي «الخلية» ب«الإرهابية». وأوضح في تصريح ل«الحياة»، أن هذه «الخلية» تعد إرهابية، بل هي أخطر من الخلايا الإرهابية المنتمية لتنظيمات إرهابية، كون الأخيرة تخطط لجرائم محددة فهي بمثابة عصابات إجرامية فقط، أما هذه فهي خلية تعد مقدمة لحرب خارجية من دولة معادية ضد البلاد بأسرها. وبيّن السعيدي أن المتهمين الذين تم تجنيدهم لخيانة وطنهم من ذوي الرتب العسكرية، لا يمثلون الأجهزة التي يعملون فيها ولا منسوبيها ولا المواطنين، وقال: «لا شك أن هذا درس تستفيد منه الأجهزة الأمنية والحساسة في وضع الإجراءات التي تحول دون اختراقها من خونة مجندين». بدوره، قال الباحث المختص في شؤون الجماعات الإرهابية أحمد الموكلي ل«الحياة»: «تم كشف هذه الخلية قبل تغلغلها في مؤسسات الدولة وفي المجتمع وتحولها من خلية استخبارية إلى عصابات وميليشيات مجرمة تدمر وتخرب البلاد لمصلحة دولة تضمر الشر للمملكة ودول الخليج». وأوضح أن خلية إيران «التجسسية» تعد من أخطر الخلايا إن لم تكن أخطرها، لافتاً إلى أن ذلك يعود لكون من يقف خلف هذه الخلية وبهذا الحجم ليس تنظيماً محدود العدد والإمكانات كما هو تنظيم القاعدة وتنظيم داعش الإرهابي، بل دولة تملك المال والسلاح، وتحمل نوايا شيطانية معروفة، مؤكداً أن أطماعها في الخليج باتت مكشوفة بعد أن أعلنت عن ذلك صراحة ومباشرة من خلال وكلائها في المنطقة. واستطرد بالقول: «تكمن خطورة هذه الخلية في نوعية ومكانة ومكان هؤلاء العملاء، ففيهم الأكاديمي والطبيب والعسكري الذي ربما يوجد في مواقع حساسة، إضافة إلى حجم ونوعية المعلومات التي تم تزويد إيران بها، أو ربما كانت سيتم تزويدها بها مستقبلاً، فالمعلومات ربما تشير إلى كشف أكثر من 60 معلومة، ربما بعضها لا شك حساس وخطر، كالمواقع والقواعد العسكرية التي تم تزويد الاستخبارات الإيرانية بها». وتابع الموكلي: «أيضاً تكمن أهمية هذه الخلية في قدرتها على التجنيد، وهذا يدل عليه العدد الكبير للخلية التي لا شك أنها بدأت صغيرة حتى وصلت إلى هذا العدد، وربما لا يزال فيها الخامل». ووصف أستاذ الدراسات العليا في جامعة أم القرى عضو مجلس الشورى السابق الدكتور حاتم العوني، «التجسس» على أمور الدولة وتقديم أسرارها السياسية والعسكرية للدول الأخرى ب«الخيانة» للدين والوطن، وقال ل«الحياة»: «لا شك أن التجسس لمصلحة العدو المتربص من أعظم الذنوب، ومفسدته كبيرة جداً، تقديم المعلومات السرية للدولة لدول خارجية خيانة للدين والوطن». وتابع: «خلاصة حكم الجاسوس المستخلص من مذاهب الفقهاء، هو أن من خان بالتجسس دينه ووطنه يُنظر في مقدار مفسدة تجسسه، وفي ملابسات جريمته، وحال الشخص المتجسس، فقد يستحق القتل إذا لم يندفع إفساده إلا بذلك، وقد يستحق العقوبة المغلظة المناسبة لجرمه، وقد يستحق العفو كما عفا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه - حينما تجسس لكفار مكة قبيل فتحها، فعفا عنه النبي، لأنه كان من أهل بدر، أي كان صاحب سابقة حسنة في الإسلام، ولأنه كان تحت ضغط اجتماعي وأسري دفعه إلى ذلك».