توصلت الحكومة التونسية إلى اتفاق مع المركزية النقابية يُلغى بمقتضاه الإضراب العام في قطاع الوظيفة العامة الذي كان مقرراً اليوم، للمطالبة بصرف الزيادات في رواتب الموظفين، لتتجاوز بذلك أول امتحان جدي لها منذ توليها السلطة منذ أكثر من 3 اشهر. ووقّع وفد عن الحكومة ووفد من الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد) في قصر الحكومة بالعاصمة التونسية أمس، اتفاقاً يقضي بصرف نصف الزيادة لرواتب موظفي القطاع العام بداية من كانون الثاني (يناير) المقبل، في مقابل تأجيل النصف الثاني من الزيادات إلى العام 2018. ويلغي الاتحاد العام التونسي للشغل بمقتضى هذا الاتفاق، الذي حصلت «الحياة» على نسخة منه، الإضراب العام المقرر اليوم الخميس في الوظيفة العامة، وكانت المركزية النقابية أقرت مبدأ الإضراب العام للضغط على الحكومة من أجل التراجع عن قرار تأجيل صرف الزيادات في الأجور المتفق عليها. واعتبر وزير الدولة المكلف بشؤون المجتمع المدني والهيئات الدستورية مهدي بن غربية أن «الاتحاد العام التونسي للشغل قدم تضحية من خلال التوقيع على الاإتفاق القاضي بتأجيل 50 في المئة من زيادة الأجور على رغم أنّ لديهم اتفاقاً مسبقاً في هذا الشأن وقِّع في العام 2015 مع الحكومة السابقة». وأوضح بن غربية أن هذا الاتفاق جاء نتيجة «استجابة وتفهم قيادات اتحاد الشغل للإكراهات التي تعيشها المالية العامة لتجاوز الأزمة وخلق الثروة»، مشيراً إلى أن حكومته وجدت نفسها مضطرة لاتخاذ هذا الإجراء لإعادة التوازن للمالية العامة. وانتشرت موجة من الارتياح لدى الرأي العام التونسي الذي يتخوف من تدهور الوضع الاجتماعي في البلاد بخاصة مع تلويح الاتحاد بالتصعيد ضد الحكومة، على رغم أن النقابيين لم يحصلوا على مطالبهم كاملة إلا أن الإنفاق يُعتبر انتصاراً للاتحاد الذي تمكن من الظفر بنصف الزيادات المتفق عليها بعد ان كانت الحكومة متجهة نحو تأجيل صرف الزيادات كاملةً الى العام المقبل. وتضمن محضر الاتفاق بين الطرفين بنوداً جديدة على غرار تكوين مجلس للحوار الاجتماعي ومحاربة الفساد، اضافةً إلى تعهد الحكومة التونسية بالتصدي للتهرب الضريبي وتحقيق العدالة الجبائية. وشدد القيادي في اتحاد الشغل أبو علي المباركي عقب توقيع الاتفاق أمس، على أنه «لا يمكن تحقيق عدالة اجتماعية من دون وجود عدالة جبائية»، مشيراً إلى وجود ارتباك في اصلاح الملف الجبائي لعدم التعامل معه بجدية من جانب الحكومة. وقال المسؤول النقابي إن «أكثر مَن يسدد الجباية للدولة هم الأجراء في القطاعين العام والخاص والقطاعات الأخرى لا تؤدي واجبها كما يجب في سداد الجباية»، وذلك في ظل دعوات من جهات حزبية ومدنية الى اتخاذ إجراءات في سبيل تحقيق عدالة جبائية بين المواطنين ومكافحة التهرب الضريبي. وبهذا الاتفاق تجاوزت حكومة يوسف الشاهد هذه الأزمة التي انطلقت منذ تقديم مشروع الموازنة الذي أقر تجميد أجور موظفي القطاع العام ضمن مشروع قانون الموازنة وذلك تحت ضغط المقرضين الدوليين (بخاصة صندوق النقد الدولي) الذين يطالبون بخفض الإنفاق وتوجيه النفقات نحو الاستثمار لتقليص عجز الموازنة. وعلى رغم انفراج الأزمة بين الحكومة واتحاد الشغل إلا أن الشاهد لا يزال يواجه تحديات أخرى تتعلق بمشروع قانون الموازنة، إذ تضمن إجراءات ضريبية بحق المحامين والأطباء ورؤوس الأموال، ما خلق أزمة اجتماعية. ولم تنجح بعد الجلسات التفاوضية بين المحامين والكتل النيابية والحكومة في التوصل الى اتفاق بخصوص ضرائب قطاع المحاماة، الذي رفض «فصولاً مجحفة بحق المحامين ومخالفة للدستور»، مقابل تمسك الحكومة بمقترحها الهادف إلى «التصدي للتهرب الضريبي لأصحاب المهن الحرة».