رفضت المركزية النقابية في تونس قرار الحكومة تأجيل صرف الزيادات في رواتب موظفي القطاع العام بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وسط تحذيرات من أزمة اجتماعية بين الحكومة ورجال الأعمال من جهة ونقابات العمال وممثلي العاطلين من العمل من جهة أخرى. وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد) في بيان مساء أول من أمس، رفضه المطلق أي تأخير أو إلغاء للزيادات في مرتبات موظفي القطاع العام التي تم الاتفاق بشأنها مع الحكومة، داعياً الطرف الحكومي إلى الوفاء بالالتزامات وعدم التنصل من وعوده للموظفين. وكانت الحكومة التونسية اعتمدت حزمة إجراءات من بينها تأجيل صرف الزيادات في المرتبات المقررة في بداية العام المقبل وفرض الضريبة على رؤوس الأموال والأشخاص ورفع أسعار الكهرباء، ما أثار جدلاً واسعاً في البلاد التي تعاني من تراجع كبير في التنمية وهبوط المؤشرات الاقتصادية. واعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل في سياق رده على هذه القرارات أن «التنصل من الزيادة يُعد ضرباً لمصداقية التفاوض وتهديداً للاستقرار الاجتماعي»، مشيراً إلى أن «الأجراء يؤدون واجبهم تجاه الدولة، وتحملوا أعباءً كثيرة ولا يمكن إثقال كاهلهم بمزيد من الضرائب في ظل تدهور قدرتهم الشرائية». ودعا «اتحاد الشغل»، أحد أبرز المنظمات الاجتماعية في البلاد وأحد أضلاع الرباعي الراعي للحوار الحائز على جائزة نوبل للسلام، إلى «عدالة جبائية تساوي في أداء الضريبة بين الإجراء وأصحاب المؤسسات والمهن الحرة، وتقوم على الإنصاف وردع المتخلفين عن أداء الواجب الضريبي وعلى مراعاة ضعاف الدخل والحفاظ على المقدرة الشرائية لعامة الأجراء». واعتبر مراقبون أن بيان الاتحاد العام التونسي للشغل يشكّل أول امتحان جدي أمام الحكومة التي تصر على لسان وزيرة المالية لمياء الزريبي على إرجاء صرف زيادات الأجور، بخاصة وأن المركزية النقابية ساهمت بإنجاح الحوار وتُعدّ من مهندسي «اتفاق قرطاج» الذي أنتج حكومة الوحدة الوطنية بقيادة يوسف الشاهد. ويتخوف مقربون من الشاهد والرئيس الباجي قائد السبسي من أن تفقد الحكومة أحد أبرز دعائمها الاجتماعية (اتحاد الشغل واتحاد أرباب العمل)، بخاصة وأن الدعم السياسي للشاهد يعاني من عدم الاستقرار نتيجة الصراعات الداخلية التي يشكو منها حزب «نداء تونس» الحاكم. من جهة أخرى، دعا اتحاد الصناعة والتجارة التونسي (اتحاد رجال الأعمال) أمس، الاتحاد العام التونسي للشغل إلى الجلوس على طاولة الحوار ووضع روزنامة جديدة للدخول في مفاوضات زيادة الأجور في القطاع الخاص لعامي 2016 و 2017. وأوضح الناطق باسم أرباب العمل خليل الغرياني في مؤتمر صحافي، أن الاتفاقات التي تم التوصل إليها سابقاً يجب أن تتغير بتغيّر الظروف، معتبراً أن «ما تم الاتفاق حوله سابقاً كان تحت ضغوط اجتماعية واليوم تغيّر الوضع». وكان يُفترض أن تنطلق مفاوضات حول زيادة أجور القطاع الخاص في آذار (مارس) الماضي، لكنها تعثرت بسبب خلافات بين «اتحاد الشغل» و»منظمة أرباب العمل» التي ترى أن المؤسسات الاقتصادية تمر بصعوبات قد تمنعها من إقرار الزيادات. ويُعتبر هذا الموقف الصادر عن أكبر منظمة لرجال الأعمال في تونس تحدياً للاتحاد العام التونسي للشغل الذي يتمسك بالاتفاقات السابقة المتعلقة بزيادة الأجور، سواء كانت مع الدولة أو مع أرباب العمل، حيث يتوقع مراقبون أن تتوتر العلاقة بين الطرفين الاجتماعيين الأبرز في البلاد. وتأتي هذه التطورات وسط تحذيرات من اندلاع احتجاجات اجتماعية في المحافظات الأكثر فقراً جنوب البلاد وغربها نتيجة انتشار البطالة والنقص الكبير في التنمية، بخاصة إذا لم تتخذ حكومة الشاهد إجراءات لمصلحة هذه المناطق قبل نهاية العام. على صعيد آخر، رست في ميناء «حلق الوادي» قرب العاصمة التونسية أمس، أول باخرة رحلات سياحية منذ الهجوم الإرهابي الذي استهدف في آذار (مارس) 2015 متحف باردو وألحق أضراراً بالغة بالسياحة أحد أعمدة الاقتصاد التونسي.