تصاعدت الاتهامات بين القوات المسلّحة السودانية و «الجيش الشعبي لتحرير السودان» الذي يسيطر على إقليمالجنوب الذي يتمتع بحكم ذاتي مع اقتراب موعد الاستفتاء على تقرير مصير الإقليم، وتبادل الطرفان الاتهامات بتجاوز الخط الفاصل والاحتشاد على جانبي الحدود، مما يهدد بوقوع اشتباكات. وفي الوقت ذاته أبلغ نائب الرئيس رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت مبعوثي مجلس الأمن الذين يزورون السودان أن منطقته ربما سيكون عليها إجراء استفتائها الخاص إذا أفسد الشمال الاستفتاء الرسمي المقرر في بداية العام المقبل. واتهم مسؤولون في ولاية النيل الأبيض، المجاورة للخرطوم، «الجيش الشعبي» بتجاوز حدود الأول من كانون الثاني (يناير) 1956 التي تفصل الشمال عن الجنوب. وتفقّد حاكم ولاية النيل الأبيض يوسف الشنبلي وقيادات في الجيش والأمن منطقة جودة في الشمال التي تحتشد قبالتها قوة كبيرة من الجيش الجنوبي. وقال محافظ الجبلين محمد الماحي الضو إن حكومة الولاية أجرت اتصالات مع قيادة «الحركة الشعبية» في ولاية أعالي النيل وحاكم مقاطعة الرنك للاستفسار عن تلك التحركات العسكرية للجيش الجنوبي، موضحاً أن قادة الحركة أكدوا مقدرتهم على حسم ما سموه ب «تفلتات» تلك المجموعات التابعة إلى جيشهم. لكن الناطق باسم «الجيش الشعبي» كوال ديم طالب الأممالمتحدة بفتح تحقيق حول الاتهامات المتبادلة مع القوات الحكومية بنشر القوات قرب الحدود التي تشهد خلافات حول ترسيمها في بعض المناطق مثل أبيي وكافي كنجي («حفرة النحاس») في دارفور. ورفض كوال اتهامات ولاية النيل الابيض بحشد جيش الجنوب قبالة الولاية، وأكد أنها محض افتراء للتغطية على الحشود والتسليح الذي يتم من قبل القوات الحكومية بهدف مهاجمتهم. وتحدى الناطق القوات الحكومية السماح للأمم المتحدة بإجراء تحقيقات ميدانية حول الاتهامات المتبادلة في شأن الحشود العسكرية، مؤكداً أن هناك حشوداً ضخمة من جانب القوات الحكومية مدججة بالدبابات والأسلحة الثقيلة على الحدود بهدف مهاجمة جيش الجنوب. وكان الناطق باسم القوات الحكومية المقدم الصوارمي خالد سعد أكد أن الجيش الجنوبي نفّذ إعادة انتشاره جنوباً بنسبة 33 في المئة فقط، بينما أكملت القوات الحكومية إعادة انتشارها شمال الحدود بنسبة 100 في المئة. وقال الصوارمي إن بقاء القوات المسلحة في منطقة جنوب كردفان أمر طبيعي باعتبارها منطقة في شمال السودان، ويحق للجيش التنقل شمال الحدود الفاصلة بينهما. إلى ذلك، أبلغ سلفاكير ميارديت مبعوثي مجلس الأمن الدولي الذين يزورون السودان أن منطقته ربما سيكون عليها إجراء استفتائها الخاص في شأن الاستقلال إذا أفسد الشمال الاستفتاء الرسمي المتفق عليه بين الجانبين في اتفاق السلام. وقال السفير البريطاني مارك ليال غرانت للصحافيين في جوبا عاصمة الجنوب إن سفراء مجلس الأمن أجروا محادثات «صريحة جداً» مساء الأربعاء مع سلفاكير في شأن استفتاء التاسع من كانون الثاني (يناير) الذي يمكن أن يؤدي إلى تقسيم أكبر بلدان أفريقيا مساحة. وذكر غرانت أن رئيس الجنوب «لا يعتزم إعلان الاستقلال من جانب واحد». وتابع: «لكن إذا حدث تعطيل ... تعطيل سياسي متعمّد من حزب المؤتمر الوطني الحاكم للاستفتاء، فربما يكون من الضروري على الجنوب أن يجري الاستفتاء الخاص به». وقال سلفاكير لأعضاء مجلس الأمن إنه إذا حصل «تأخير كبير» سببه حزب المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير، فإن جنوب السودان «يحتفظ بحقه في تنظيم استفتائه الخاص» دون المرور باللجنة الوطنية للاستفتاء. وقال السفير البريطاني إن «مجلس الأمن موحد للضغط على الجانبين (الشمال والجنوب) بهدف انجاز التحضيرات الضرورية ليجري الاستفتاءين (في الجنوب وأبيي) في التاريخ المقرر وأن يحظيا بالصدقية والاحترام». وانتقل أعضاء مجلس الأمن وبينهم السفيرة الأميركية في الأممالمتحدة سوزان رايس، أمس، إلى الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وأجروا محادثات مع الحكومة المحلية وممثلي الأممالمتحدة. وينتظر أن يتفقدوا مخيم أبو شوك للنازحين قبل أن يصلوا اليوم إلى الخرطوم لاجراء محادثات مع مستشار الرئيس مسؤول ملف دارفور غازي صلاح الدين ووزير الخارجية علي كرتي، ويتوقع أن يلتقوا زعماء المعارضة. وسيغادر الرئيس عمر البشير الخرطوم إلى ليبيا للمشاركة في القمة العربية الاستثنائية قبيل وصول وفد مجلس الأمن بساعات. وقبل ساعات من وصول الوفد الدولي إلى دارفور، أعلن الجيش السوداني أنه هاجم مواقع المتمردين في الإقليم أمس الخميس. وقال ناطق باسم الجيش ل «رويترز» من دون الخوض في تفاصيل بخصوص الخسائر في الأرواح إن الجيش السوداني هاجم منطقة سوني في الساعة العاشرة من صباح أمس وطرد المتمردين من منطقة شرق جبل مرة. وفي شأن آخر، أصدر رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت قراراً بالعفو العام عن أربعة من قادة الميليشيات التي قادت تمرداً على حكومته خلال الفترة الماضية، وأعلن فتح الباب أمام إعادتهم إلى الخدمة مجدداً. وشمل العفو كذلك أتباع هؤلاء الرجال ومنحهم حرية الحركة في الجنوب وتعهداً بإعادة ضباط الجيش الجنوبي السابقين الى مناصبهم التي هجروها. وتضمن قرار سلفاكير العفو عن كافة الجرائم التي ارتكبتها تلك الميليشيات في الجنوب. وشمل القرار ميليشيات المنشق عن «الجيش الشعبي» جورج أتور الذي خسر الانتخابات الأخيرة في ولاية جونقلي، وروبرت قوانق المتهم ببدء تمرد في مناطق الشلك القبلية في ولاية أعالي النيل، وتُحسب الميليشيا على وزير الخارجية السابق زعيم حركة التغيير الديموقراطي لام اكول، إلى جانب ميليشيا قلواك دينق الذي انشق في ولاية الوحدة الغنية بالنفط بعد الانتخابات، والجنرال غبريال تانج أحد قادة الفصائل السابقين ويخدم حالياً في جيش الشمال.