هؤلاء الممانعون لعمل الفتاة المحتاجة «كاشيرات» فات عليهم أن يُدركوا ويُبصروا ويرَوا بأم أعينهم أن الشباب «بلا مرافقة عوائلهم» يُمنعون من دخول ووُرود المراكز التجارية والمولات والميجاوات والهايبرات والسوبر، ثم في الوقت نفسه نتعامى عن الحقيقة الماثلة أمامنا أن «العائلة»، «وغالبيتهن نسوة وفتيات وصبيان وبنات»، يتعاملن مع الكاشير الذكور من الوافدين غالباً أو السعوديين وهن مضطرات لعدم وجود «كاشيرات إناث»، فماذا لو قلبنا وجه العُملة، وجعلنا الكاشير إناثاً، بحيث تتوجه العائلة «خصوصاً ربة البيت» إلى الكاشير الأنثى، ويتوجه الذكور إلى أقرانهم الذكور في الجانب الآخر من صف الكاشيرات، أليس ذلك هو الأصح؟! وهل ستفقد العُملة قيمتها إذا نظرنا لها من الوجه الآخر؟ أم ماذا؟ انظروا إلى هذا الزوج المبتعث وزوجته المرافقة للدراسة في الولاياتالمتحدة الأميركية، عادوا إلى السعودية لقضاء شهر رمضان الماضي في ربوع الوطن، وذهبوا إلى إحدى المولات في المنطقة الوسطى، وتفاجأوا بصنوف التحديق من مرتادي السوق! خصوصاً التحديق والبحلقة الإستباقية، وكأن المبحلق يستبقك كي لا توجِّه ناظريك إلى أفراد عائلته، فهو لديه ظنون إستباقية بأن الموجودين في المول همَّهم الوحيد هو إلقاء نظرة على المرافقين معه، على رغم ارتداء الجميع للعباءة الكاملة وغطاء الوجه! والأنكى من كل ذلك، هي نظرات الريبة والشك من البعض المحسوبين على جهات تتوجس في الناس ريبة، بسبب أو من دون سبب، مع أن الأصل في الإسلام حُسن الظن ما لم يبدر من الناس وبصورة واضحة ويقينية ما يخالف ذلك «أي حسن الظن»! يقول هذا العائد من رحلة بعثة خادم الحرمين الشريفين: «كنا نتسوق في مولات دنفر بكلورادو ونيويورك وواشنطن ونيوجرسي، ولم يحدَّق فينا أحد، ولو تلاقت أعيننا بأعينهم فالإبتسامة الطبيعية تعلو وجوههم، وكأنهم يلتزمون بالحديث الشريف «تبسمك في وجه أخيك صدقة»، إلا أنني هنا خشيت من الإبتسامة في وجه أحد، وأقنعت نفسي بالتخلِّي موقتاً عن الإبتسامة إياها! حتى لا أقع في دائرة الريبة والشك والظنون السيئة (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه) الآية، ثم كانت المفاجأة التي صدمتني! فقد رأينا في قسم من أقسام ذلك المول محلاً عليه يافطة تقول «للنساء فقط»، فأرادت زوجتي الدخول والاستطلاع، علَّها تجد بعض المشتروات هناك، خصوصاً «اللانجري» أو الملابس الداخلية الخاصة بالنساء، إلا أن الصدمة كانت قوية، فقد كان البائعون رجالاً ومن الوافدين... ما هذا؟ ولِمَ هذا؟ هل بلغ بنا غياب البصيرة أن نسمح للذكور «وافدين أو مواطنين» بالبيع داخل محل مخصص للنساء ومختص ببيع لوازم نسائية مَحْضَة؟ ثم نُصرُّ إصراراً عجيباً وغريباً على عدم وضع الأمور في نصابها الصحيح، بأن نسمح للإناث ببيع «اللانجرى» (ملابس الإناث الداخلية) للنساء والعوائل؟ فإذا كان جائزاً ومنذ البداية، ومنذ أن رأت عيناي الحياة في سوق القماشة بالمدينة المنورة، وسوق الليل بمكة المكرمة، والثميرى بالرياض وغيرها من المدن في هذه الديار الطاهرة، شراء كل النسوة والإناث والبنات والصبيان من الرجال «مواطنين أو وافدين»، ما الذي يمنع أن ننظر للعُملة من الوجه الآخر، فتشتري العائلة والبنات والصبيان وربة البيت من البائعة «أو تحاسب الكاشير الأنثى»، ويتوجه الذكور للكاشير الذكور إذا تحرَّجوا من التعامل مع الكاشيرات الإناث! وهذا هو الصواب وهو الحق، والحق أحق أن يُتَّبع، بعيداً من الرؤية القاصرة والريبة والشكوك والظنون! إننا بذلك نصونها من مذلة السؤال «وما خفي كان أعظم»، فممارستها العمل أمام ناظرينا بشرفها وأمانتها وعفتها خير ألف مرة من مذلة السؤال أو الاستجداء عبر الوسائط المتعددة من جوالات وبلاك بيري ولاب توب وغيرها، أو سلوك آخر مشين، إذ لا نستطيع متابعتها وملاحقتها في ظل مجتمعنا المحافظ الكريم الذي يتمتع بالغطاء وكامل العباءة، فلا نعرف من هي الداخلة أو الطالعة من هذه العمارة أو تلك أو غيرها من أنواع الأبنية والفيللات والمجمعات الضخمة أو القصور وغيرها، فلا ينبغي أن نكون كالنعام تدفن رأسها في الرمل كي لا ترى الخطر الداهم! فنحن أذكى وأنبل من المخلوقات غير الآدمية! وكم آلمني منظر المحتشدات في تلك الشركة التضامنية التجارية من المواطنات مع الوافدات في انتظار توزيع زكاة الشركة تلك، وقد اضطر مدير الشركة إلى استدعاء «السيكيوريتي» الذي أتى مشكوراً وبمعيته عنصر نسائي «سيكيوريتي» وتم إخراجهن من مقر الشركة بعد محاولات مُضنية، لعدم إقتناعهن بأن الشركة أنهت توزيع الزكاة، كما قال لهن المدير، هل تقبل أخي الكريم وأختي الكريمة أن تضطر إحدى أفراد أسرتك إلى الوقوف هذا الموقف في مقابل الحصول على مبلغ زهيد لن يفي حاجتها بقية العام إذا لم تعمل، وإذا لم يتوفر لها مصدر دخل ثابت، خصوصاً في الوقت الحالي؟ إذ عزوف الشباب عن الزواج بسبب البطالة وكثرة الطلاق، فنسبة الطلاق عالية جداً مقارنة بالأزمنة السابقة أو الدول الأخرى. أشد على أيدي القائمين على تلك المراكز التي بادرت بتشغيل فتيات بالكاشيرات، على رغم مناداة البعض بمقاطعتها! وتوفير العمل للجميع «ذكوراً وإناثاً» من حق الجميع، ولا أحد يستطيع منع أحد من كسب رزقه الحلال، مهما كانت دعاوى التغريب، أو أن الإناث مستهدفات في بلادنا! إنها كلمة أريد بها باطل، مَنْ يستهدف مَنْ بالله عليكم؟ الغرب شبعوا من مواضيع الإناث حد التخمة، فلا حاجة لهم لاستهدافنا بأي صورة من الصور، ونحن أكبر وأقوى وأعظم من أن يستهدفنا أحد ولله الحمد. [email protected]