أحضر الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة من دون انقطاع منذ 1978، وأستطيع أن أقول إن اجتماع هذه السنة كان، للصحافي العامل مثلي، الأسوأ في تاريخ المنظمة العالمية، والأمين العام بان كي مون خسرني صديقاً. هناك أعمال ترميم وإصلاح وإعادة بناء ما يعني أن قاعة المندوبين أُغلقت وأن مجلس الأمن انتقل الى غرفة تحت الأرض، ربما كانت المكان الطبيعي له، وأن مبنى موقتاً من مواد «مفبركة» سلفاً قام الى جانب برج الأممالمتحدة المشهور. وأسأل أين هذا أو ذاك وتقول لي موظفة فصيحة أن أذهب الى المبنى الشمالي كأنني أعرف أين الاتجاهات الأربعة. أعتبر قاعة المندوبين في أهمية صالة الجمعية العامة، فممثلو الدول يلتقون فيها قبل إلقاء الخطابات أو بعدها، ويتبادلون الحديث مع فناجين القهوة والشاي، وأنا أسمع، فقد كنت في بداية علاقتي مع الأممالمتحدة أحضر بصفتي الصحافية، وأنتظر كبار المسؤولين الزائرين في الخارج، أو في المؤتمرات الصحافية. غير أنني على امتداد العقدين الماضيين أحضر بصفة عضو وفد (عربي دائماً) وأجلس داخل الجمعية العامة وفي مجلس الأمن، وأسمع الأخبار في قاعة المندوبين وأجري مقابلات أو أسمع حديث اتفاقات وصفقات. هذه المرة، ومع أعمال البناء الجارية كان عليّ أن أنتظر الزوار العرب من رؤساء دول أو وزراء أو غيرهم داخل قاعة الجمعية العامة والجلسات دائرة، والحديث غير ممكن إلا همساً وباختصار، أو كنت أبحث عن صانعي الأخبار في الفنادق. واكتشفت بسرعة أن وزراء الخارجية العرب، وكنت أعتقد أن لي بينهم أصدقاء، لا يحبونني أو لا يحبّ أحدهم الآخر، إذ لم ينزل اثنان منهم في فندق واحد، وإنما انتشروا في فنادق المدينة، فكان علي أن أبحث عنهم، وبما أن زحام السيارات في نيويورك هو بين الأسوأ في العالم وأسوأ ما يكون خلال دورة الجمعية العامة، فقد اشتريت حذاء رياضياً اخترت أن يكون مموهاً ليبدو في شكل حذاء عادي لأتنقّل في طول مانهاتن وعرضها، ولا أعتقد أن إدارة «الحياة» ستقبل عذري هذا لتدفع لي ثمن الحذاء الجديد. لا أشكو فقد مارست الرياضة والعمل معاً وتركت نيويورك وأنا أرشق مما وصلت إليها، وقابلت المسؤولين العرب الزائرين في الفنادق أو مبنى الأممالمتحدة. وزير خارجية العراق هوشيار زيباري عاتبني لأنني أيدت طلب مندوب ليبيا إجراء تحقيق في الحرب على العراق، وهو طلب عارضه أخونا هوشيار الذي عاتبته بدوري لأنه جعلني أؤيد موقفاً ليبياً للمرة الأولى منذ عشر سنوات. واتفقنا أن نلتقي في شمال العراق. لا حاجة بي الى سرد أسماء، فقد كان العمل كما أريد. وتوقفت في النهاية عن الشكوى وأنا أرى مكان عمل الزميلة راغدة درغام فقد كان مكتبها جميلاً يطل على النهر، وهو الآن فسحة موقتة في شكل أنبوب أو اسطوانة، ومع ذلك فقد أجرت عدداً من المقابلات السياسية المهمة كعادتها كل سنة. يقال إن أعمال الترميم ستنتهي سنة 2012، غير أنني سمعت من قال إنها ستستمر أربع سنوات، ما يجعلني أعود الى «النق»، فدورة هذه السنة كانت طويلة جداً لأنها بدأت في 23 من هذا الشهر بالقمة العالمية لمحاربة الفقر قبل أن تكمل بالدورة السنوية، فكان طولها ضعفي المعتاد ما يعني نفقات هائلة إضافية في الإقامة والتنقل في مدينة لم تشتهر يوماً برخص الحياة فيها. وألقى بعض رؤساء الدول ووزرائها خطابين، في قمة محاربة الفقر وفي دورة الجمعية العامة، ولا أحتاج الى العودة إليها فقد كانت تغطية «الحياة» لها متكاملة. وحاولت أن أبحث عن شيء جديد وأنا أسمع خطاباً بعد خطاب في الجمعية العامة من ممثلي جمهوريات موز ودول جزر في جنوب المحيط الهادي، وانتقلت الى مجلس الأمن، تحت الأرض كما شرحت، ووجدت جلسة عن الإرهاب تكلم فيها عدد من أعضاء مجلس الأمن، وأنا جالس وراء سفير لبنان نواف سلام. ولاحظت توافقاً بين المتحدثين، بمن فيهم وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، على اختيار الكلمات من نوع حكم القانون وحقوق الإنسان والتعددية والتهديد والتحدي العالمي. كل ما سبق لم يكن وارداً وجورج بوش في البيت الأبيض. والموضوع كله مضيعة للوقت، فالمتكلمون جميعاً لم يتحدثوا عن الأسباب التي أطلقت الإرهاب، ولم يتحملوا حصتهم من المسؤولية عنه. لو كان هناك عدل في هذه الحياة الدنيا لما عقدت جلسة عن الإرهاب إلا ووضعت إسرائيل في قفص الاتهام، فهي مارسته قبل غيرها، فأطلقت كل إرهاب آخر حتى وصلنا الى إرهاب القاعدة والإرهابيين الآخرين من نوعها. غير أن إسرائيل لم تكن في قفص الاتهام، وإنما حضرت كعضو وغابت فلسطين رغم تمنيات الرئيس أوباما. ومرة أخرى، وبسبب ديكتاتورية الأبجدية، وجدت مقاعد إسرائيل أمام مقاعد لبنان حيث أجلس عادة. وبما أنني طالب سلام مزمن، فإنني اكتفيت على سبيل معاقبة الإسرائيليين على إرهابهم بأن أتمنى لو أصفع كلاً من مندوبيهم الجالسين أمامي كف حلاقة، أو «سحسوح» كما نقول في لبنان. ولكن حتى هذه لم أحصل عليها، فأكمل غداً. [email protected]