أكد الناقد خالد الرفاعي أن تقلبات المثقفين في السعودية ودول الخليج وانتقالهم «من حال إلى حال، ومن موقف إلى موقف بسرعة مفاجئة، لا تسبقها إرهاصات ولا ممهدات تضفي على هذا التقلّب مشروعية ما»، مشيراً إلى أن هذه التقلبات متصلة بالوقائع السياسية والاجتماعية والثقافية أكثر من اتصالها بالذات، «ولذلك تبرز في المواقف ولا تبرز في المنجزات الفكرية أو الأدبية، وتتجلى أحياناً من خلال تصريحات تلفزيونية شفوية، أو تغريدات على تويتر، أو في مقالات قصيرة ذات طابع انفعالي». وأوضح الرفاعي أن تقلبات المثقفين سمة سلبية في المشهد الثقافي، «تدلّ على اضطراب المثقف، وعلى تأثره بالسياقات الحافة به أكثر من تأثيره فيها، وعلى ذوبان ذاته في ذوات أخرى، أو في معان أو أشياء أو تيارات أو أنظمة أو أحزاب، وأنه في نشاطه كلّه ظلّ لنشاط آخر مغيّب، يتسع باتساعه ويضيق بضيقه، ويرتبط به وجوداً وعدماً». ورأى أن تعريف المثقف محكوم بدلالتين: «إحداهما واسعة تشمل كل من يمتلك رؤية خاصة ويملك القدرة على التعبير عنها، والأخرى ضيقة تعبّر عن المثقف الذي ينهض بوظيفة المثقف»، متطرقاً إلى أبرز أسباب تقلبات المثقف، ومنها «النرجسية التي تجعل المثقف يمنح نفسه صلاحية التصرف الفردي في القيم والمبادئ العامة»، ومثّل لذلك بمطالبة أحد المثقفين بتصفية شخص معيّن بسبب اختلاف نظري بينهما في مواقف فكرية أو سياسية، «وحين يسأل عن تعارض هذا الموقف مع المبادئ العامة للمثقف التي تأتي بعنوان: «حقوق الإنسان»، يعود إلى أصول هذه المبادئ العامة، ويعيد صياغتها وترتيبها، لتخرج من عموميتها إلى الخاص، فتتسع بذلك لموقفه الذي يعدّ انقلابا سافراً على أصل المبدأ، وعلى روح المثقف ووظيفته». وأشار الرفاعي إلى بعض المثقفين الذين يضربون بعض المبادئ ببعض، أو يقيمون تعارضاً بينها، «ليسوّغوا بذلك خروجهم على مبدأ ما بحرصهم على حماية مبدأ آخر، فحين يطالب المثقف بتصفية خصومه، أو حين يمارس الاستعداء عليهم، يعلّق هذا الفعل بحماية الوطنية، ليشرعن بإقامة هذا التعارض خروجه، الذي وصفه ب«السافر» على أحد أهمّ المبادئ الثابتة في وظيفة المثقف». وقال الرفاعي في المحاضرة التي قدمها في نادي أبها الأدبي مساء الأربعاء الماضي، عن النفعية كأحد أسباب تقلبات المثقفين، وألمح إلى بعض الشهادات الثقافية التي تدل على أن من المثقفين من كان يتقاضى مقابلاً مادياً أو معنوياً للمواقف التي تبنّوها، مع علمهم أنها تتعارض مع جملة المبادئ التي تندرج تحت «حقوق الإنسان». ولفت إلى أن الجانب الأخلاقي عامل مهمّ للمثقف، «وهو وحده الجدار الذي سيحول دون اختراقه وتوظيفه، وهو وحده المانع من انكساره أمام المغريات». وتوقف عند غياب الفردانية «الاستقلالية» بوصفها سبباً من أسباب تقلبات المثقفين، مشيراً إلى أنّ المثقف رهن نفسه لدى تيار أو طائفة أو جماعة، وأخذ يتحرك وفق رؤيتها، واستشهد بالنقد اللاذع الذي تعرض له كل من عبدالله الغذامي وخالد الغنامي ومحمد السحيمي من الوسط الثقافي لأنهم قاموا بنقد الخطاب الثقافي، أو السياقات المحسوبة على المثقفين، واستنكر اللغة التي حملت هذا النقد، وكانت متجاوزة حدود المقبول. كما استشهد المحاضر بموقف الروائية البحرينية فوزية رشيد من الأحداث الأخيرة التي شهدتها البحرين، ورأى أن غياب الفردانية بمعناها الحقيقي هو الذي أفضى بفوزية رشيد إلى هذه الحال، ورأى أن وهم الاستقلالية أو وهم الفردانية أحد الأوهام التي تعبث بالمثقف العربي، وأحد الأسباب الرئيسة المؤدية إلى تراجع وظيفته. وكشف أنّ الخطاب الثقافي معدّ لما قبل الأزمة ولما بعدها، وليس معداً للأزمة نفسها، وقيادته الذهنية تخدم التاريخ والمستقبل أكثر مما تخدم الحاضر. ثم تحدث عن «المكاسبية» التي تهيمن على الخطاب الثقافي العربي، وتعدّ سبباً بارزاً من أسباب تقلّباته، مشيراً إلى «المكاسبية» في نشاط بعض المثقفين، وأنها تجاوزت البرامج التنموية إلى التنافس على الذوات. واستشهد بتنافس التيارين الليبرالي والإسلامي على رمزية الأديب عبدالكريم الجهيمان ك«أديب سعودي» وعبدالوهاب المسيري ك«أديب عربي»، كما تحدث كذلك عن العامل النفسي بما هو سبب من الأسباب الدافعة إلى تقلبات المثقفين، مشيراً إلى أن الهجوم الشرس الذي شنه التيار الإسلامي في التسعينات على رموز الثقافة في المملكة ترك لدى كثير من المثقفين شعوراً عميقاً بالمظلومية، عبّر عنه بعضهم بخطاب انتقامي وتنفيسي، لا يقيم اعتباراً للموضوعية، وغايته إسقاط الخصم التقليدي. وأكد الرفاعي الحاجة إلى دور كبير يجب أن تنهض به المؤسسات الرسمية «لضبط الإيقاع، ولإعادة الهيبة للخطاب الثقافي، وذلك من خلال رفع مستوى الحرية لنشاط المثقف، مع تعزيز مسؤوليته عن هذا النشاط».