تحول مقر الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) مجدداً امس الى ساحة مواجهة بين نواب الغالبية اليمينية الحاكمة ونواب المعارضة من اليسار والوسط، لمناسبة بدء مناقشة مشروع القانون الجديد للهجرة، المكون من 107 بنود، ينص احدها وهو الأكثر اثارة للجدل على تجريد المخلين بالأمن من اصول أجنبية من الجنسية الفرنسية. وهذا القانون هو الثالث من نوعه منذ عام 2003، ويشير الى ان التشدد التدريجي في التعامل مع موضوع الهجرة، الذي لجأت اليه فرنسا عبر القوانين التي اعتمدت الى الآن، لم يقدم أي حل لهذه المشكلة. فالقانون الذي اعتمد عام 2003 واستهدف السيطرة على الهجرة وإقامة المهاجرين في فرنسا، اجاز ضمن شروط معينة اللجوء الى طرد الأجانب في حال ادانتهم بجرائم على الأراضي الفرنسية. اما القانون الذي اعتمد في 2006 ونص على الهجرة الانتقائية وإعطاء الأولوية للمهاجرين الذين تتوافر فيهم مواصفات معينة تضمن اندماجهم في المجتمع الفرنسي، فإنه الغى امكان حصول المهاجر غير الشرعي على اقامة في فرنسا، ولو اثبت انه مقيم على اراضيها منذ عشر سنوات. ويأتي مشروع القانون الجديد، ليملي سلسلة من الشروط الأضافية على الراغبين في الإقامة والعمل في فرنسا، وليسرع اجراءات ترحيل المهاجرين الذين يدخلون البلاد بصورة غير شرعية. لكن البند الأقسى في مشروع القانون والذي يمس بعنصر بالغ الحساسية، لم يسبق أن تم التطرق اليه في السابق، هو امكان تجريد أي شخص يدان بتهمة التعرض لرجل أمن أو لأحد ممثلي السلطات العامة، من جنسية اذا لم تمض عشر سنوات على تجنيسه. ويرى معارضو القانون سواء في البرلمان او في اوساط الجمعيات غير الحكومية، انه ينطوي عموماً على انتهاك غير مسبوق لحقوق الأجانب، وعلى تمييز بين من هو فرنسي ومن هو فرنسي مجنس، بشكل خاص. كما يشير بعض المتخصصين في الشؤون الدستورية الى ان تجريد مواطن من جنسيته ينتهك البند الأول من الدستور الفرنسي ومفاده ان فرنسا تضمن المساواة امام القانون لكل مواطنيها بغض النظر عن اصولهم وعرقهم ودينهم. لكن الانتقادات العنيفة التي يثيرها مشروع القانون، والنقاش الصاخب الذي يتسبب به في الوسط البرلماني، لن يحول دون اعتماده، اولاً لأن الغالبية البرلمانية هي لليمين الحاكم، علماً أن ثلاثة من هؤلاء النواب هم ايتيان بانت وليونيل تاردي ونيكول ايملين، ابدوا عدم رغبتهم في التصويت على مشروع القانون لأسباب انسانية. والتصويت السلبي عليه من قبل نواب اليسار والوسط وربما بعض النواب المقربين من رئيس الحكومة السابق دومينيك دوفيلبان، ليس بالحجم الكافي لإفشاله. في الوقت ذاته، ومهما بلغت درجة الرفض والاستياء حيال مشروع القانون هذا، فإنها لن تسفر عن تراجع وزير الهجرة والهوية الوطنية اريك بيسون والحكومة الفرنسية عنه.