يجب أن نكون متفائلين ببداية المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي انطلقت في الأسابيع الماضية تحت رعاية أميركية مباشرة وبحضور عربي ممثلاً في حضور القيادتين المصرية والأردنية، وقد أشار كثير من المحللين إلى أنها من المرات الأولى التي تحدث فيها مناقشات سلام بين الطرفين والشوارع خالية من الدماء والقتل والفوضى، وهذا قد يكون عاملاً مساعداً للطرفين، خصوصاً الفلسطيني الذي كان يُتهم دائماً من إسرائيل وقوى غربية بأنهم طرف غير جاد في العملية السلمية، ولكن هذه المرة الكل استمع إلى كلمة محمود عباس في بداية المحادثات في مقر وزارة الخارجية الأميركية، التي أكد فيها على حق الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني أن يعيشا بسلام وأمن بدولته المستقلة، خصوصاً الدولة الفلسطينية في حدود الأراضي المحتلة في حرب 1967، وعلى أساس الشرعية الدولية المتمثلة في القرارات الدولية الصادرة من الأممالمتحدة وقرارات مجلس الأمن. في كلمته أكد أبو مازن على شجبه للعملية التي أودت بحياة بعض المستوطنين اليهود في الضفة الغربية وتبنتها حركة حماس، التي بدورها تقوم بتصعيد سياسي ضد القيادة الفلسطينية التي تشارك في المحادثات المباشرة مع إسرائيل، يقف مع «حماس» بعض القوى الوطنية اليسارية الفلسطينية ضد بدء العملية السلمية. قد يكون من حق القوى الفلسطينية والعربية أن تعارض الخطوة الفلسطينية التي يقودها محمود عباس، ولكن ليس من حقها أن تقوم بتصعيد عسكري قد يُنظر إليه في إسرائيل والرأي العام الغربي على انه إرهاب موجه ضد المدنيين في إسرائيل، وفي اعتقادي أن مثل هذه الأعمال من «حماس» والحركات المتشددة تضعف موقف الفلسطينيين التفاوضي على عكس ما يجب ان تقفه هذه المنظمات، لأن اتهام القيادة الفلسطينية بأنها ستقدم التنازلات لا أساس له من الحقيقة، وهذا، مع الأسف، يدخل في باب التنافس على السلطة بين حماس وفتح، أما الاعتقاد بأن الوطنية والمحافظة على حقوق الشعب الفلسطيني هما حكر على «حماس» فهذا فيه مبالغة وبُعد عن الحقيقة، وكم سمعنا من تيارات إسلامية ويسارية تتهم الراحل أبو عمار بتفريطه في الحقوق الفلسطينية، فلا أبو عمار فرط بتلك الحقوق ولا هي ضاعت. يعتقد البعض في الشارع العربي أننا وفي كل مرة تبدأ فيها واشنطن بترتيبات سلام في منطقتنا، خصوصاً السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، أن هدف هذه المؤتمرات ليس السلام بحد ذاته، بل هو لخطوات وترتيبات تعد لها أميركا في منطقة الشرق الأوسط، كما حدث بعد حرب الخليج الثانية وبعدها في «أوسلو»، وهذه المرة المستهدف بالضربة العسكرية هي إيران، لذا فالغالبية تعتقد ان السلام في الشرق الأوسط ليس هو الهدف بحد ذاته، ولكنه حشد الدول العربية والإسلامية في جبهة واحدة ضد المشروع النووي الإيراني، وهذا ليس بواقعي لأن كثيراً من دول المنطقة، خصوصاً دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وعلى رغم معارضتها لمشروع إيراني نووي عسكري فهي أعلنت في أكثر من مرة وفي محافل عدة ان الديبلوماسية هي الوسيلة الأنسب لمعالجة قضية الملف النووي الإيراني، وتعارض استخدام القوة العسكرية ضد إيران، وتعلن وبشكل واضح أنها لن تسمح باستخدام أراضيها ومجالها الجوي والبحري في أي عمل عسكري ضد إيران. يمكن القول ان الإدارة الأميركية والرئيس أوباما ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض أعلن وفي خطابات له موجهة للشعوب الإسلامية أطلقها من تركيا ومن القاهرة أن الإسلام هو دين محبة، وأن المسلمين شركاء يجب احترامهم، وان الانفتاح الاقتصادي والديموقراطية والحرية للشعوب الإسلامية هي من سيجلب السلام للمنطقة والعالم. ويمكن القول إنه في ظل تصاعد العنف والتفجيرات في بعض الدول الأوروبية وفي أميركا نفسها، خصوصاً بعد ال11 من أيلول (سبتمبر) أصبح هناك قناعة لدى الساسة الأميركيين ان الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط ليس فقط بسبب الفقر والبطالة والرؤية الضيقة والمتشددة للإسلام، بل بسبب قضايا سياسية تغذي الشارعين العربي والإسلامي بوقود التطرف والتشدد، وتأتي القضية الفلسطينية على رأسها، فمرة تحس الشعوب بالقهر وتصل إلى حد الانفجار كما حدث في الحرب على غزة، وأن بعض التنظيمات تشن حروباً نيابة عن دول إقليمية كما حدث في حرب صيف 2006 بين حزب الله وإسرائيل، وكمثال أخير التصعيد الأخير بين تركيا وإسرائيل بعد سفينة الحرية وما واكبها من تصعيد رسمي وشعبي ليس في منطقة الشرق الأوسط فقط بل في العالم الغربي، الذي بدأ يتعاطف ويشارك بنصرة الشعب الفلسطيني المحاصر والمحتل، وهذه خطوة تخيف إسرائيل سواء على المستوى الأخلاقي أو القانوني. [email protected]