خصص الرئيس الأميركي باراك أوباما حيزاً كبيراً، من خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس الخميس، للسلام الفلسطيني – الإسرائيلي. وقال: «إذا لم يتم التوصل الى اتفاق، لن يعرف الفلسطينيون أبداً الفخر والكرامة التي تأتي مع قيام دولتهم، ولن يعرف الإسرائيليون أبداً الاستقرار والأمن الذي يأتي مع جيران يتمتعون بالسيادة ويلتزمون التعايش»، لافتاً الى «الواقع الصعب للديموغرافيا» الذي سيسيطر «على الأوضاع»، والى «هدر المزيد من الدماء»، ومعلناً: «أرفض أن أقبل» مثل هذا الخيار. ودعا أوباما، في خطابه الذي لم يتطرق فيه الى المسار السوري أو اللبناني، إسرائيل الى تمديد «تجميد» الاستيطان. وقال إنه يتمنى العودة الى الأممالمتحدة بعد سنة باتفاق تستطيع دولة فلسطين بموجبه أن تصبح عضواً كاملاً في المنظمة الدولية. وصفقت الوفود للرئيس الأميركي عندما قال: «هذه المرة، يجب أن نتعلم من تعاليم التسامح التي هي في قلب الديانات الثلاث الكبرى التي تنظر الى القدس على أنها أرض مقدسة. هذه المرة، يجب أن نتواصل مع ما هو الأفضل داخلنا، فإذا فعلنا ذلك، يمكننا عندما نعود الى هنا السنة المقبلة، أن نعود باتفاق يؤدي الى دخول عضو جديد في الأممالمتحدة – دولة فلسطين المستقلة لتعيش بسلام مع إسرائيل». ودعا الدول العربية الموقعة على «المبادرة العربية للسلام» الى «تنفيذ تعهداتها وقرن الأقوال بالأفعال» من خلال «دعم الفلسطينيين في بناء مؤسسات دولتهم»، ومن خلال «إثبات التطبيع التي تعد بها (المبادرة) إسرائيل». وشدد الرئيس الأميركي على أن «الأمن الحقيقي للدولة اليهودية يتطلب قطعاً قيام دولة فلسطين المستقلة التي تسمح للشعب الفلسطيني أن يعيش بكرامة... إن حقوق الشعب الفلسطيني لن تتحقق سوى عبر الوسائل السلمية، بما في ذلك المصالحة الصادقة مع إسرائيل آمنة». وتوجه أوباما الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي جلس في مقعد فلسطين في الجمعية العامة، وقال: «إن شجاعة رجل، مثل الرئيس عباس الذي يقف مدافعاً عن شعبه أمام العالم أجمع، إنما هي أعظم بكثير من أولئك الذين يطلقون القذائف على الأبرياء من النساء والأطفال». واعتبر «أن على الذين يتشوقون الى قيام فلسطين أن يتوقفوا عن محاولة تدمير إسرائيل... إن وجود إسرائيل يجب ألا يكون موضوع نقاش. إسرائيل دولة ذات سيادة، وهي الوطن التاريخي للشعب اليهودي... ليكن واضحاً للجميع أن محاولات النيل من شرعية إسرائيل ستلاقي معارضة أميركية ثابتة»، كما «إن جهود تهديد أو قتل الإسرائيليين لن يساعد أبداً الشعب الفلسطيني، فذبح الأبرياء الإسرائيليين ليس مقاومة وإنما ظلم». ووصف الرئيس الأميركي جهوده وجهود إدارته نحو السلام الفلسطيني – الإسرائيلي بأنها كانت طريقاً صعبة منذ السنة الماضية الى حين استئناف المفاوضات المباشرة هذا الشهر. وخاطب المتشائمين والمشككين وجبهة الرافضين من الجانبين والمتهكمين على جهود السلام قائلاً: «انظروا في ما هو البديل». وقال إن الوقت حان لعدم الخضوع للإحباط والتشاؤم والاستسلام، إذ «يمكننا أن نقول إن هذه المرة ستكون الأمور مختلفة، هذه المرة لن ندع الإرهاب أو الاضطراب أو التظاهر أو السياسة الرخيصة تعرقل طريقنا». ولفت الى «الامتحانات الآتية» للعملية السلمية، ملاحظاً أن «أحدها آتٍ بسرعة»، في إشارة الى انتهاء فترة «تجميد» إسرائيل نشاطاتها الاستيطانية في 26 الشهر الجاري. وقال: «موقفنا واضح في هذا الصدد. إننا نعتقد أن التجميد يجب أن يمدد. نعتقد أيضاً أن المحادثات يجب أن تسير الى الأمام الى حين استكمالها. والآن هو الوقت المناسب لمساعدة الطرفين بعضهما الآخر للتغلب على هذه العقبة. الآن هو وقت بناء الثقة ولإعطاء الوقت من أجل إحراز تقدم جوهري. الآن هو وقت اغتنام الفرصة، كي لا تفوتنا». ودعا أوباما الأسرة الدولية الى تحمل مسؤولياتها ومساعدة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على التوصل الى السلام. وتضمن خطاب الرئيس الأميركي التوجه الى إيران قائلاً: «إن الولاياتالمتحدة والأسرة الدولية تسعى وراء حل لخلافاتنا مع إيران، والباب لا يزال مفتوحاً أمام الديبلوماسية إذا اختارت إيران أن تدخل منه. ولكن، يجب على الحكومة الإيرانية أن تظهر الشفافية والتزام الصدقية، وتؤكد للعالم نواياها السلمية في برنامجها النووي». وقال: «لقد مددت يدي السنة الماضية الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية وشددت على أن لها حقوقاً وعليها مسؤوليات كعضو في الأسرة الدولية. قلت أيضاً من هذه القاعة إنه يجب محاسبة إيران إذا فشلت في تحمل مسؤولياتها. وهذا ما فعلته، (في إشارة الى القرار 1929 الذي شدد العقوبات على إيران). وأوضحنا أن القانون الدولي ليس وعداً فارغاً». وتطرق أوباما الى انسحاب 100 ألف جندي أميركي من العراق، «معلناً ذلك بمسؤولية فيما انتقل العراقيون الى تحمل مسؤولية الأمن في بلادهم. ونحن الآن نركز على بناء شراكة دائمة مع الشعب العراقي فيما نبقى ملتزمين سحب بقية قواتنا مع نهاية السنة المقبلة... حينما نخفف تواجدنا في العراق، أعدنا التركيز على إلحاق الهزيمة بالقاعدة ومنعها هي ومشتقاتها من الملجأ الآمن، في أفغانستان». وقال: «في أفغانستان، إن الولاياتالمتحدة، ومعها حلفاؤها، تعمل على أساس استراتيجية كسر زخم طالبان وبناء قدرات الحكومة الأفغانية وقواتها المسلحة كي يتمكن الأفغان من تحمل مسؤولياتهم مع بداية شهر تموز (يوليو) المقبل». وأضاف: «من شرق آسيا الى قرن أفريقيا، إننا نتحرك وفق هذا الأسلوب المحدد، أسلوب يقوي شركاءنا ويفكك الشبكات الإرهابية من دون نشر قوات أميركية كبيرة». وأكد أوباما الثقة بالمستقبل، «مستقبل حيث العراق لا يحكمه طاغية أو دولة أجنبية، وحيث تصبح أفغانستان حرة من ويلات الحرب، مستقبل يستطيع فيه أطفال إسرائيل وفلسطين العيش بالسلام الذي لم يتمكن أهلهم من بنائه، وحيث وعد التنمية يصل الى سجون الفقر والأمراض، مستقبل تنحسر فيه غيمة الكساد أمام نور التجدد وحيث يكون حلم الفرصة متوافر للجميع». وكان أوباما تأخر عن الوصول الى قاعة الجمعية العامة ليكون المتحدث الثاني، كما جرى التقليد لسنوات عدة، فحلّت محله سويسرا. كما بقي مقعد إسرائيل شاغراً بسبب مناسبة دينية تمنع مشاركة إسرائيليين في أي عمل. وحضر عدد من القادة العرب جلسة الجمعية العامة التي خاطب فيها أوباما بينهم الرئيس العراقي جلال طالباني وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس اللبناني ميشال سليمان. واستقبل الأمين العام في لقاءات ثنائية أمس كلاً من الرئيس العراقي والرئيس اللبناني وأمير قطر، وأقام حفلة غداء على شرف رؤساء الوفود حضره الرئيس الأميركي. وهذه المناسبة تسمح تقليدياً بلقاءات جانبية سريعة مع الرئيس الأميركي لكثير من القادة. ولم يحضر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد جلسة خطاب الرئيس الأميركي، وتمثل الوفد الإيراني على مستوى وزير الخارجية.