ألم تسأل نفسك يوماً ما عن السبب الذي يجعل وقت الاستحمام من أفضل الأوقات التي تساعدك على استلهام الأفكار الإبداعية، أو تذكر المكان الذي وضعت فيه أداة أضعتها منذ أسبوع، أو التوصل إلى الطريقة الأسهل لحل قضية معينة في عملك؟ وينقل موقع "بزنس إنسايدر" عن دراسة أجراها عالم النفس رون فريدمان، صاحب كتاب "أفضل الأماكن للعمل: فن صناعة البيئة المناسبة للعمل"، أن 72 في المئة من الأشخاص تأتيهم الأفكار الإبداعية أثناء الاستحمام. فما السبب وراء ذلك؟ قد تبدو هذه الاسئلة عبثية بعض الشىء ومن دون تفسير علمي. لكنها مع ذلك شغلت العلماء الذين جهدوا لايجاد تفسيرات منطقية لها. وذكر موقع "هافينغتون بوست" أن باحثة علم النفس من جامعة هارفارد شيلي كارسون أشارت في كتابها "عقلك المبدع" إلى أن الماء الحار يساعد على زيادة تدفق مادة الدوبامين التي يفرزها الدماغ وتؤثر في الأحاسيس والسلوكيات، خصوصاً التركيز والانتباه، إضافة إلى قدرة الماء الساخن على المساعدة في استرخاء الجسد، الأمر الذي يصفي الذهن ويفسح المجال لبدء جريان الأفكار. وأوضح موقع مجلة جامعة دارموث الاميركية للعلوم، أن الأسباب التي تجعل من وقت الاستحمام رائعاً للتفكير لا تقتصر على الاسترخاء وصفاء الذهن، إذ إن وقت الاستحمام قد يكون الوقت الوحيد الذي يمضيه معظم الناس على انفراد، الأمر الذي يسمح لنا بالانجراف في أحلام اليقظة من دون أن تعيقنا الأحداث المحيطة بنا عن التفكير في هدوء، ما يفسح لنا المجال للاتصال باللاوعي الخاص بنا. ويعمل هذا النوع من أحلام اليقظة على استرخاء قشرة الدماغ، التي تتحكم بالقرارات والأهداف والسلوكيات، إضافة إلى أن هذه الأحلام تعمل على تنشيط ما يُعرف ب"الشبكة الافتراضية لعمل الدماغ"، التي تفسح المجال للاتصال بين أجزاء الدماغ كاملاً، ما يسهل عملية استلهام الأفكار التي قد تغيب عن عقلنا الواعي في أوقات أخرى. ونقل موقع "بزنس أنسايدر" عن عالم النفس رون فريدمان قوله إن التفكير في شكل مكثف في أمر ما يعمل على إعاقة "الشبكة الافتراضية لعمل الدماغ" عن عملها، إذ إنه يؤدي إلى تنشيط قشرة الدماغ، وهو ليس بالأمر السيئ، إذ إنه يساعدنا على استجماع تركيزنا لإنهاء المهام اليومية المطلوبة في العمل قبل مواعيد تسليمها على سبيل المثل. إلا أن هذا الأمر يجعلنا لا نفكر بطريقة إبداعية، لأن العقل يميل إلى استبعاد الأفكار الإبداعية وغير الاعتيادية أثناء تركيزه على إنجاز مهمة معينة، على عكس الحال التي نكون فيها أثناء الاستحمام. وتضيف الدراسات أن العقل يكون في أقصى حالات تركيزه، ليس في أثناء محاولة إنجاز مهمة مستعجلة، بل في أثناء وجوده في بيئة هادئة مثل البيئة التي تتوافر للإنسان في وقت الاستحمام. وذكر كتاب "10 أشياء يفعلها الفنانون والكتاب والمبتكرون" للباحثين سكوت باري كاوفمان وكارولين غريغوري، أن دراسة أجرتها باحثة من جامعة هارفارد تدعى شيلي كارسون، أوضحت أن الأشخاص المبدعين يميلون عادةً إلى فقد تركيزهم بسهولة، الأمر الذي يحدث بسهولة وقت الاستحمام، إذ إنه يعمل على تشتيت الذهن وإخراجه من حالة التركيز التي يكون فيها عند محاولة حل مشكلة أو إنجاز مهمة معينة، ما يفتح الباب أمام الأفكار الإبداعية. ولا تقتصر الأماكن التي تتيح لنا التفكير بعمق وإبداع على الحمام، إذ أوضحت مجموعة من الباحثين، هم رافي ميهتا وروي تشو وعمار شيما، في مقال علمي بعنوان "هل الضوضاء دائماً سيئة؟ استكشاف آثار الضوضاء المحيطة في الإدراك الإبداعي"، أن ركوب المواصلات العامة يوفر بيئة تعمل على تشتيت الذهن أيضاً نظراً الى وجود أشخاص غرباء يحيطون بالشخص، لكن من دون الحديث معه، الأمر الذي يجعل من رحلة القطار أو الحافلة مكاناً جيداً للتفكير في بعض القرارات التي تنوي اتخاذها. ومن ناحية أخرى، أشار المقال العلمي إلى أن الأشخاص الذي يحتاجون إلى الهدوء من أجل الولوج في التفكير وصفاء الذهن، قد يجدون البيئة الأخصب للأفكار الإبداعية في المناطق الخضراء، إذ إنها تعزلهم عن صخب المدينة وتوفر لهم الجو المناسب للاتصال بالطبيعة الأم التي تعمل على تصفية الذهن أيضاً. ولفتت مجلة جامعة دارموث للعلوم، إلى أن الجلوس في مقهى هادئ واحتساء مشروب مفضل بالنسبة إليك، قد يساعدان أيضاً على الاسترسال في أحلام اليقظة التي ستجذب إليك الأفكار الإبداعية.