تحفل صفحات «قلوب وحيدة»، lonely hearts، في الصحف البريطانية بمئات الإعلانات التي تبحث عن «النصف الآخر». رجال يبحثون عن نساء، ونساء عن رجال... ولا محظورات في جنس «الشريك» المطلوب. قد يثير غياب المحظورات صدمة لدى بعض متصفح هذه الإعلانات، خصوصاً إذا كان ينتمي إلى تقاليد اجتماعية محافظة تختلف كثيراً عن تقاليد الانفتاح الجنسي السائدة في بريطانيا. لكن هذا الأمر ليس وحده مصدر الغرابة في هذه الإعلانات. فسنّ الباحثات عن نصفهن الآخر لا بد أن يثير نوعاً من الصدمة لدى قراء صفحات «قلوب وحيدة». أنجيلا مثلاً، في السابعة والستين من عمرها، لكنها، كما تقول، تشعر بأنها «ما زالت في شبابها». تحب الموسيقى الكلاسيكية والقراءة والمشي، ومستعدة لأن تقضي «وقتاً ممتعاً» مع رجل يشاركها هذه الهوايات. إليزابيث في التاسعة والستين ولديها اهتمامات مماثلة. تطول اللائحة. أوصاف وأرقام هواتف لنساء في الستينات -والسبعينات– من أعمارهن يبحثن عن رجال يشاركونهن بقية العمر. بعد قليل يتوقف القارئ عن متابعة السلسلة. لا بد أن يتمالكه شعور بالحزن أو الشفقة إزاء هذا العدد الضخم من النساء اللواتي يشعرن بالوحدة القاتلة ويتقن إلى العثور على رجل يقضين معه ما بقي من العمر. لكن في مقابل هذه «التعاسة» التي تشعر بها نساء صفحات «قلوب وحيدة» الباحثات عن رجال، تشهد بريطانيا أيضاً ظاهرة أخرى «معاكسة» تماماً: نساء متزوجات منذ سنوات طويلة يقررن فجأة هجر أزواجهن بعد أن يكن بلغن أواخر الخمسينات أو بداية الستينات. كاترينا، مثلاً، تبلغ السابعة والخمسين لكنها تشعر بأنها أصغر سناً من ذلك بكثير. متزوجة منذ 25 سنة، ولديها ثلاثة أبناء. عندما غادر ابنها الأصغر البيت وانتقل للعيش وحده، كما فعل أخوه وأخته الأكبر منه من قبله، بقيت هي وزوجها وحدهما في المنزل. لكن بعد فترة من رحيل الأولاد بدأت الخلافات تنشب بينهما. «لم أعثر على قواسم مشتركة بيني وبين زوجي»، قالت في مقابلة صحافية أجريت معها أخيراً وشرحت فيها أسباب انفصالها عنه على رغم أن ليس هناك خيانة زوجية لا من جانبه ولا من جانبها. وأضافت: «أردت عائداً أكبر من الاستثمار العاطفي (الذي استثمرته في زواجها). لم أكن لأحصل على ذلك لو بقيت معه (زوجها). لقد وصل زواجنا إلى نهاية عمره الطبيعي»، موضحة: «بتركي زوجي شعرت، للمرة الأولى، بأنني آخذ قراراً يعتمد على ما أريده أنا وليس ما تريده العائلة». حالة كاترينا ليست فريدة في بريطانيا اليوم حيث تكثر ظاهرة الانفصال بعد أن يكون الزوجان قد قضيا أكثر من ربع قرن مع بعضهما بعضاً، وهي فترة كان يُعتقد في شكل شائع أن أي زوجين لا يمكن أن ينفصلا فيها عن بعضهما إذا ما نجحا في قضائها سوياً كل هذه السنوات وبعد أن يكونا قد تجاوزا كل المشاكل والصعوبات التي يواجهها أي زوجين خلال هذه الفترة. وتوضح إحصاءات منشورة في بريطانيا أن 70 في المئة من حالات الطلاق هي بين زوجين قضيا بين 11 سنة و20 سنة مع بعضهما البعض، في حين أن 24 في المئة من حالات الطلاق هي لأزواج مر على زواجهما ما بين ست سنوات و10 سنوات. وعلى رغم أن 27 في المئة من حالات الطلاق ترتبط بالخيانة الزوجية، فإن الاحصاءات توضح أيضاً أن 25 في المئة من الزيجات تنتهي فقط لأن أنماط حياة الزوجين باتت مختلفة مع الوقت وصارا يبتعدان أكثر فأكثر عن بعضهما بعضاً إلى أن يحصل الافتراق. لكن ولو اختلفت أنماط حياة الزوجين، ما زال الانفصال بعد 25 سنة من الزواج – كما يحصل في بريطانيا - على الأرجح، ظاهرة غير منتشرة في العالم العربي اليوم. فالمرأة العربية -كما الرجل- لا تفكّر على الأرجح في السعي إلى الانفصال إذا ما صمد زواجها ربع قرن من الزمن، ولو كانت تعيش الآن حياة غير سعيدة مع شريك حياتها. وكما أنه سيكون أمراً مثيراً للاستغراب أن ترى الزوجة العربية تطلب الطلاق وهي في الستينات من عمرها، سيكون مثيراً للاستغراب أكثر أن ترى إعلانات لنساء في العالم العربي يبحثن عن رجال وهن في الستينات أو السبعينات من عمرهن. ليس عيباً بالطبع البحث عن شريك حياة أو طلب الطلاق في الستينات من العمر. لكنه بلا شك من الظواهر التي تشير إلى مدى الاختلاف في التقاليد بين العربي المقيم في بريطانيا وبين كثير من مواطني هذه البلاد.