عندما تمشي في محافظة وادي الدواسر السعودية (600 كيلومتر جنوب العاصمة الرياض) يختلف المشهد اليومي. الرجال يحملون السلاح في الشوارع، وكذلك الشبان الذين يلاقون تشجيعاً من آبائهم، بداعي الفخر وتعبيراً عن «الرجولة»! وهو مشهد غير مألوف في بقية المناطق السعودية. حمل السلاح بهذه الطريقة، يتسبب على الدوام في وقوع مشكلات في المحافظة الزراعية التي لا يمر شهر إلا ويستيقظ أهلها على جريمة أو حادثة شنيعة، تزهق فيها نفوس. وإلى جانب حوادث القتل خطأً أو شبه المتعمد أو عمداً، يبتز بعض الشبان المسلحين المواطنين والمقيمين المتنقلين عبر الطرق الزراعية في المحافظة، فيسلبونهم أموالهم تحت تهديد السلاح، فضلاً عن قصص السطو التي باتت عادية ولم تعد تسترعي انتباهاً، ويظل بعض مرتكبي الجرائم فارين من وجه العدالة. تُعتبر ظاهرة حمل السلاح من العادات والتقاليد قديماً، خصوصاً في مناطق الجنوب. ويمكن القول إن السلاح لا يزال بين الأيادي في قرى ومحافظات ترتفع فيها نسبة الجهل والأمية. وما يزيد من أخطاره إهمال الأسرة لأبنائها، المراهقين بخاصة، الذين يحملون أسلحة على أنواعها، وسوء التربية، وغياب التوجيه والرقابة، وتفشي العنف في المعاملة، أو التدليل الزائد، فضلاً عن ضعف الرقابة الأمنية. وللأعراس قصة أكثر مأسوية، فإطلاق الأعيرة النارية في شكل عشوائي خلال إقامتها ممارسة دارجة ومرغوبة، في غياب الرادع، أو الخجل من عُرف اجتماعي، أو الخوف من محاسب. وإطلاق النار في الأعراس يؤدي، في أحيان كثيرة، إلى إزهاق أرواح بريئة تشارك آمنة بفرح لا يلبث أن يتحول إلى حزن، وتتحول معه الزغاريد إلى نواح. لكن الأغرب في حالة وادي الدواسر، ليس طيش الأبناء الشبان والمراهقين، وإنما ذلك الإصرار المستغرب من قبل الآباء على تسليح أبنائهم، منذ نعومة أظفارهم، وتشجيعهم على التطاول على الآخرين. وتجد السلاح بين يدي الطلاب في المدارس المتوسطة والثانوية، عائقاً لعملية التربية والتعليم، خصوصاً إذا حُسب المعلم، ولاعتبارات مجهولة، «عدواً» يحاول تعكير أمزجتهم. وفي الوقت الذي تطالعنا فيه الصحف اليومية بقصص مأسوية كثيرة عن جرائم القتل في المحافظة، تبرز الوساطات القبلية التي عادة ما تأتي لتخفيف المصيبة، ومحاولة لجم الثأر، لتبقى النفوس مهما تصافحت الأيادي تحمل حقداً، يهب متّقداً بين حين وآخر. مصابون وثكالى رووا ل «الحياة» قصصهم مع «السلاح». يتذكر عويصة محمد الذي سبق واكتوى بنار هذه العادة، أنه كان يحضر عرس أحد أقاربه، عندما مزق السعادة صوت رشاش كان يحمله فتى في ال12 من عمره. «لم يستطع السيطرة عليه فبدأ ينثر رصاصه في كل الجهات، وأصبت يومها في فخذي، ولا أزال أعاني في مشيتي من تلك الإصابة»، يقول. ويذكر فراج محمد أنه كان يسير بسيارته، وفجأة شاهدها تشتعل من الخلف، ليتوقف ويطفئ النار، وبعد فحصها وجد رصاصة رشاش أصابت حقيبته فاحترقت ووصل اللهب إلى خزان الوقود. ويروي علي الدوسري قصة أخيه الذي قضى ضحية للأسلحة والعادة السيئة: «بدلاً من أن نكمل زواجنا بالتهاني انقلب إلى اجتماع عزاء، إثر وفاة أخي بطلقة طائشة أصابته في رأسه». وإذا لم تصبك الرصاصة في مقتل، أو مباشرة، فربما تنزل عليك من السماء، كمطر من حديد، كما يقول مبارك عبدالرحمن: «بينما كنت أجلس مع عدد من أقاربي نتسامر إذا برصاصتي رشاش تخترقان سقف الاستراحة فوقنا، وتقعان متوقدتين أمامنا، ولم نستطع حملهما إلا بالملقط»، مشيراً إلى أنه لو وقعت على رأس احد الجالسين لكانت كارثة. ويحمّل عبدالعزيز الدوسري تهاون المحافظة والشرطة المسؤولية في تفشي الظاهرة في المحافظة: «تركتهم من دون رادع يفعلون ما يشاؤون، بل أن الدوريات تمر من أمام قصور الاحتفالات وأماكن إقامتها ولا تحرك ساكناً». ويطالب بتفعيل دور الدوريات الأمنية وردع هذه الظاهرة المقلقة. واتصلت «الحياة» بمدير شرطة محافظة وادي الدواسر ولكنه رفض الإدلاء بأي موقف حيال هذه الظاهرة لأسباب قانونية، بينما أكد مساعد المشرف العام على كليات محافظتي وادي الدواسر والسليل، الدكتور عبدالله الصقر، تحريم الإسلام كل ما من شأنه إشاعة الفرقة والبغضاء والكراهية بين المسلمين، أو ترويع الآمنين وإرهاب الساكنين المسالمين، وكذلك قتل النفس وانتهاك المحارم وسلب الحقوق والممتلكات. وأضاف الصقر: «الأمان والسلام سرا النجاح والتقدم والرقي للأفراد والمجتمعات، فالشعوب إذا آمنت أمِنت وإذا أمِنت نمت، وحمل السلاح في وجوه الناس من شأنه إنزال الرعب في قلوبهم وقض مضاجعهم وزعزعة أمنهم».